تتوقف جريدة «الشعب» من خلال حوارها مع الدكتور حاج بشير جيدور أستاذ العلوم السياسية بجامعة غرداية، عند بعض أهم التسريبات المتداولة عن فحوى «صفقة القرن» ومدى وضوح تأثيراتها السلبية على مسار القضية الفلسطينية تحت ضوء العوامل المساهمة في تعميق جراح الفلسطينيين على غرار التشتّت الذي يشهده الشارع العربي وكذا الانقسام الداخلي.
«الشعب»: رغم أن الإعلان الرسمي عن صفقة القرن لم يتمّ بعد، إلا أن التسريبات المتداولة تثير الكثير من المخاوف حول مصير القضية الفلسطينية ما تعليقكم؟
د.حاج بشير جيدور: نحن نعود بالوجه العام إلى التعاطي الإعلامي حول ما بات يسمى بصفقة القرن، وذلك لسبب بسيط هو أن القضية لم تصبح بعد رسمية ولا خرجت للعلن عن طريق دبلوماسي أو سياسي أو في محفل عالمي أو عبر مقال صحفي مرتبط بدوائر صنع القرار الأمريكي أو غيرها، والإعلام أنبأنا عن تصور لمشروع يبدو في ظاهره متزن يسعى لفرض حل سياسي ينهي الصراع في الشرق الأوسط كمرحلة أخيرة، لكن باطنه مشروع أمريكي يعطي إسرائيل أفضلية ويمنحها امتيازات كبيرة ويضفي على ممارساتها «الشرعية» من واقع (الدفاع المشروع عن النفس)، بل يذهب بعيدا في الاعتراف لها بكل ما استحوذت عليه من أرض وبشر، بدءا بسنة 1948 عندما احتلت أرض فلسطين بواسطة «عصابات الهجانا»، مرورا بما تحقّق لها في النكسة سنة 1967 باحتلالها سيناء (والتي خرجت منها سنة 1973) وجنوب لبنان والجولان السوري والأهم القدس الشريفة التي بسطت يدها عليها كاملة سنة 1967.
وما يجعل من هذا الكلام في خانة شبه المؤكد هواعتراف الرئيس ترامب بحقّ السيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل في 25 مارس 2019.
الصفقة حسب ما يتردّد تسعى لتجريد الفلسطينيين من كامل حقوقهم بما فيه حقّ العودة والقدس وإقامة الدولة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967، ألا يعني هذا إجهازا على حلّ الدولتين وانحيازا لإسرائيل ووأدا لفرص السلام؟
أكبر الاعتقاد أن هذا المقترح سيرفضه العرب إن تمّ إخراجه بالشكل الذي سُرّب به، لأنهم لن يرضوا (بدويلة) على غالبية أراضي الضفة الغربية وإعلان أجزاء من القدس الشرقية عاصمة لها، وتكون القدس الغربية بالمقابل عاصمة لإسرائيل، وتبقى السيادة لإسرائيل على القدس القديمة والمسجد الأقصى والإسرائيليون أيضا سيرفضون الخطة لما قد تحمله من مرارة التنازل عما تحت أيديهم (وهم أقوياء) لصالح الدولة الفلسطينية الوليدة. وعليه يقفز السؤال عن جدية الطرف الأمريكي أولا في صياغته لهذه الخطة الصفقة وعما إذا كان هذا التسريب صحيحا أم ليس إلا (فقاعة اختبار) لجس النبض وأن الحقيقة أفظع بكثير مما تمّ تسريبه.
أطلق الفلسطينيون حملة لتفادي الخطة الأمريكية وإفشال مؤامرة كوشنر، هل سينجحون في هذه المهمة التي تبدو صعبة، خاصة في ظلّ حالة الانقسام التي تهز ّالوحدة الفلسطينية وبالتالي تضعف قضية العرب الأولى؟
في ظلّ الظرف الحالي وفي حالة ما كانت التسريبات صحيحة فالإجابة بالقطع لا وذلك لوجود مؤشرين اثنين بالغي الدلالة:
المؤشر الأول منه يرتبط حسب القالب العام لما سميتموه في سؤالكم (مؤامرة)، فإن الرئيس الأمريكي يكون قد اعتمد خطة متكاملة لتصفية القضية الفلسطينية وتجريد الشعب العربي في فلسطين من مقومات وجوده (العروبة والتدين) ومن مقومات كفاحه (الأرض وحق العودة) عن طريق صفقة القرن هذه، فهو بذلك قد جعل أمرها بيد صهره ومستشاره «غاريد كوشنر»، والظاهر أن كوشنر قد يحاول رسم طريق نجاح الصفقة حتى من قبل إعلانها الرسمي وذلك عن طريق حشد الدعم للجانب الاقتصادي منها، وتحريض بعض الدول على اتخاذ موقف اقتصادي داعم للخطة.
أما المؤشر الثاني فيرتبط بالعقلية التجارية للرئيس ترامب، فالرئيس الأمريكي متمحور حول نظرية (التاجر) والتي يحمل وصفها بامتياز، فهو رجل أعمال وصاحب مشاريع واستثمارات جعلت صفته الحالية كرجل سياسة لا ترتبط به كما يجب، فهوإذا ينطلق من واقع الاستثمار ويبحث عن قيمة الأرباح التي سيجنيها عقب انتهاء فترة الاستثمار، والقضية برمتها ذات أثر مالي كبير وقد تحمل له أرباحا تقدر بالملايير، وليس يعرف عن الرجل أنه (طامع) سياسي بل (طامح) تجاري فقط.
وعليه، فلن يتردّد في فعل أي شيء في سبيل إنجاح خطته وإمضاء صفقته وفرضها على الجميع، وفق منطق «القوة للمال» وما سيجنيه أفضل من أي مجد سياسي قد يراهن عليه.
لا شك أن القضية الفلسطينية لم تعد تحظى بذلك الاهتمام من طرف الدول العربية المشغولة بمشاكلها وأزماتها، فما هي انعكاسات غياب الغطاء العربي على مجرى حلها؟
لا أعتقد أبدا بقوة الوجود العربي الداعم للقضية الفلسطينية والمساعد على رفعة الشعب العربي في فلسطين بعد نهاية العقد السابع من القرن الماضي، وذلك راجع لسببين اثنين رئيسيين:
السبب الأول: موت عدد من زعماء الدول العربية الذين أظهروا حرصا على القضية وقدموا بالفعل الكثير من الدعم لها وكانت لهم مواقف لصالحها حتى أمام الزعماء الغربيين والأمريكيين، ومن أبرزهم «جمال عبد الناصر»، «هواري بومدين»، «الشيخ زايد آل نهيان»، و»الملك فيصل».
السبب الثاني: الضائقة المالية والاقتصادية التي عرفتها أغلب الدول العربية بعد الأزمة المالية وانهيار أسعار البترول سنوات الثمانينات من القرن الماضي، مما جعلهم في رحلات البحث عن حلّ مشاكلهم الداخلية واعتماد مقاربات لفكّ العزلة بينهم وبين شعوبهم التي ظهر حجم البؤس عندهم بفعل آثار الأزمة.
الانقسام..
نتيجة منطقية لاتفاق أوسلو
نعود لنقف مجدّدا عند الانقسام الفلسطيني، ما هي أسبابه الحقيقية هل هو صراع على السلطة أم خلاف على أسلوب المقاومة أم أن أطرافا خارجية تضرب بمعاولها وحدة الصف الفلسطيني لإضعافه وقضيته؟
الانقسام الفلسطيني كمصطلح، هو شكل من أشكال عدم توافق الرؤى بين مكونات الشعب الفلسطيني ومرجعيات كل طرف (التوجه الليبرالي الوطني في حركة فتح والسلطة) و(التوجه الإخواني لدى حماس وعدد من تشكيلات المقاومة)، أما الانقسام كمنظومة فكرية فهو واحد من نتاجات «اتفاق أوسلو»، في تسعينيات القرن الماضي، الذي أنتج «مرصوفات تفكيكية» لبنية الشعب الفلسطيني ومرجعيته التي بناها خلال سنوات المقاومة التي انطلقت مباشرة بعد اغتصاب فلسطين ذات يوم في شهر ماي سنة 1948، تلك المرصوفة التفكيكية التي لم تستطع للأسف الشديد حتى الهيئة الفلسطينية الجامعة المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية من احتواءها ووأد تأثيرها السلبي على الأرض.