الدكتور يسري صيشي لـ«الشعب»:

انفراج القضية الصحراوية مرهون بالتوصل إلى أرضية حوار مشتركة

حوار : إيمان كافي

لا خيار للمغرب سوى تطبيق تقرير المصير

تحظى القضية الصحراوية باهتمام دولي كبير قصد تحريك قطار عمليتها السلمية المتوقّف مند سنوات، وفي هذا الإطار يعكف مجلس الأمن الدولي على عقد أربع جلسات لبحث آخر تطوراتها خلال شهر أفريل الجاري، بما فيها نتائج جلستي المفاوضات المنعقدة بجنيف السويسرية، وتمديد بعثة المينورسو والتقرير الدوري للأمين العام الاممي أنطونيوغوتيريس.
للتعرّف أكثر على مستجدات  آخر قضية تصفية استعمار في أفريقيا،كان لـ»الشعب» هذا الحوار مع الدكتور يسري صيشي أستاذ محاضر في علوم الإعلام والاتصال بجامعة حسيبة بن بوعلي بولاية الشلف.


«الشعب» أربع جلسات كاملة يخصّصها مجلس الأمن الدولي للنزاع المغربي - الصحراوي هذا الشهر، ما الذي يعنيه هذا الأمر؟
الدكتور يسري صيشي: مجلس الأمن لديه ضغوطات كبيرة من واشنطن حول ضرورة إيجاد حل للانسداد الواقع في قضية الصحراء الغربية، ويعتبر هذا الاهتمام  من مجلس الأمن لقضية آخر مستعمرة في أفريقيا، أمرا مبررا خاصة إذا أخذنا في الحسبان تقليص مهمة بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الإقليم المحتل
«المينورسو» من سنة واحدة إلى ستة أشهر فقط تحت ضغط الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك أن تقليص المدة سيعمل على دفع الطرفان للعودة إلى طاولة المفاوضات وهذا ما يحدث بالفعل.
في تقريره الدوري حول آخر تطورات القضية الصحراوية الذي قدمه أمام مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، أبدى الأمين العام الأممي أنطونيوغوتيريس تفاؤلا بخصوص إيجاد حل لهذه القضية، فمن أين يستمد غوتيريس هذا التفاؤل؟
 إن تفاؤل الأمين العام الأممي أنطونيوغوتيريس يأتي ضمن إستراتيجية تفاوضية إيحائية، يعمل من خلالها على تليين الموقف المغربي، ومحاولة إيجاد مناخ إيجابي تمهيدي للمفاوضات، كما أن هناك عوامل أخرى يمكن أن تغيّر من موازين القوى التفاوضية في قضية الصحراء الغربية ومن أهمها عودة جنوب إفريقيا إلى مجلس الأمن.
 غوتيريس بنى تفاؤله أساسا على عملية التفاوض التي انطلقت مجددا من جنيف السويسرية شهر ديسمبر الماضي، لكن هذه المفاوضات تصطدم بتنصّل الطرف المغربي من نصوص القرارات الدولية القاضية بتكريس حقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، فكيف يمكن تحقيق الحق العادل والنهائي للقضية الصحراوية أمام الموقف المغربي المعرقل؟
 إن الحديث عن تحقيق الحقّ العادل لا يزال مبكرا جدا، خاصة أننا أمام مقاربة مغربية بضم الصحراء الغربية، وبين جبهة البوليساريو التي أسّست عمليا الجمهورية الصحراوية المستقلة على جزء من الصحراء الغربية وتطمح لقيام دولة سادسة في شمال إفريقيا.. كلا الحلين وتمسّك الطرفين بهما هو ما خلق حالة الانسداد التي طالت لسنوات، وضمن هذه المعادلة فإن الأولوية الآن تقتضي التوصل إلى أرضية حوار مشتركة تكون فيها بوادر ثقة ونية صادقة للتوصل إلى حلّ مشترك من الطرفين.
نجاح المفاوضات يتطلّب بناء جسر من الثقة
نقطة أساسية أشار إليها غوتيريس عندما كشف بأن المشكلة الأساسية التي تقف في وجه تحقيق تقدم نحو حل قضية الصحراء الغربية، تكمن في فقدان الثقة بين المغرب والبوليساريو، وهذا - كما أضاف -، ما يؤدي إلى عدم الانخراط بجدية في العملية السياسية التي يقودها كوهلر، ما السبيل إلى تحقيق الثقة المتبادلة؟
 بناء جسور ثقة بين المغرب وجبهة البوليساريو، يقتضي إجراءات عملية واقعية من شأنها كسر الجليد  الذي يحيط بالمفاوضات وإحيائها من جديد، ولعلّ جبهة البوليساريو بالفعل قد بادرت في هذا، حين قامت بتدمير مخزونها من الألغام الأرضية، كما يمكن للمغرب أيضا انتهاج الطريق نفسه من خلال مبادرات عديدة من بينها إيجاد حل فوري لمسألة المعتقلين السياسيين الصحراويين، وكخطوة جريئة وجدية يمكنه القيام بتدمير الجدار العسكري وتفكيكه، بهذه الطريقة يمكن تقليص الفجوة بين الطرفين والتحضير لمفاوضات جدية قد تخلص لنتيجة استثنائية في تاريخ القضية الصحراوية.
تقرير المصير حقّ يكفله القرار 2440
  تقرير الأمين العام الأممي أكد أن المفاوضات الجارية بين طرفي النزاع الصحراوي تتمّ ضمن القرار 2440 الداعي لإيجاد حل عادل ونهائي يقضي إلى ممارسة الصحراويين لحقهم في تقرير المصير، كيف السبيل إلى تجسيد هذا القرار على أرض الواقع، ولماذا لا يلتزم المغرب به؟
  طيلة مشوار القضية الصحراوية كان هناك حلان فقط يطفوان على السطح، حل ثابت يقترحه المغرب، وحل آخر معاكس تماما تقترحه جبهة البوليساريو، ولعلّ القرار 2440 قد جسّد الحل الوسط من خلال ضرورة استشارة الشعب الصحراوي وتفعيل حقه في تقرير مصيره، ذلك أن هذا الحل هوالأكثر ملاءمة للقانون الدولي، فالشعب الصحراوي هوالأحق باختيار الوضع الذي ستؤول إليه قضيته، أما عن عدم التزام المغرب به  فلأنه يدرك أنه لن يكون في صالحه لا كليا ولا جزئيا، سواء من الجانب السياسي أوالاقتصادي، أين سيفقد سيطرته على الثروات الطبيعية الصحراوية من صيد بحري وإنتاج الفوسفات خاصة.

لا بد من تفاعل المجتمع الدولي مع العملية السلمية

نقطة مهمة أثارها غوتيريس، عندما قال أن حل القضية الصحراوية يتطلّب توفّر إرادة سياسية ليس فقط من طرفي النزاع، ولكن أيضا من المجتمع الدولي والجهات الفاعلة خصوصا، ما المقصود من هذا الكلام وكيف يمكن جعل المجتمع الدولي ينخرط بجدية لحل هذه القضية العالقة منذ أزيد من أربعة عقود؟
 إن حديث غوتيريس عن المجتمع الدولي والأطراف الفاعلة فيه، إشارة إلى نقاط عديدة أهمها الدور الذي لعبته الجزائر بموقفها المساند لحقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وكذلك ليبيا، هذه الأخيرة التي انحسر دورها تدريجيا وذلك بفعل انشغالها بوضعها الداخلي، أيضا حليف البوليساريو، فنزويلا التي تعاني مشاكل سياسية قوية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى مواقف بعض الدول الأخرى المؤيدة للطرح المغربي، حيث إن حصر المفاوضات في الطرفين الرئيسيين المغرب وجبهة البوليساريودون تفاعل ومساهمة الحلفاء والوسطاء والفاعلين سيكون بمثابة الدوران في حلقة مفرغة.
بعدما اعتبر أن الوضع الإنساني في الإقليم المحتل مثير للقلق، طالب غوتيريس في تقريره لمجلس الأمن بإنشاء آلية دولية مستقلة لمراقبة وحماية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، كيف السبيل إلى تجسيد هذا الطلب المطروح منذ سنوات؟
@@ إن الحديث عن آلية دولية مستقلة لمراقبة وحماية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية في ظلّ الظروف الراهنة حسب رأيي الخاص هو إطالة لعمر الأزمة وزيادة إهدار للوقت والمال، من هنا أعتقد أن توجّه كل الموارد المتاحة إلى تحقيق مفاوضات فاعلة بين الطرفين وإيجاد خارطة طريق مقبولة من جميع الأطراف، خاصة وأن معطيات المسرح الدولي اليوم قد تغيرت كثيرا عما كانت عليه في السنوات السابقة.
تمسّك غوتيريس بأهمية استمرار «المينورسو» كونها كما قال عامل هام للمساهمة في الجهود الأممية للتوصل إلى حل ُيمكّن الصحراويين من حقهم، فكيف يمكن لهذه البعثة أن تؤدي دورها وهي عاجزة عن تحقيقه رغم مرور أكثر من ربع قرن على إنشائها؟
@@  إتباع الإستراتيجية ذاتها من خلال بعثة الأمم المتحدة وانتظار نتائج جديدة هو خطأ بديهي لا يمكن أن يقع فيه أنطونيو غوتيريس أو المبعوث الأممي الجديد هورست كوهلر، وإنما هي ورقة ضغط على المغرب لا يرغبون في خسارتها في حالة فشل المفاوضات الحالية من جهة، وهي ضمان بقاء آلية رقابة دائمة على الأوضاع في المنطقة من جهة أخرى.
 جولة مفاوضات قادمة، هل تتوقّعون أن تحمل جديدا لعملية السلام؟
@@  رغم أن هذه السنة تمثل سابقة في تاريخ القضية الصحراوية من حيث عدد المشاورات والمفاوضات، إلا أن رصد ما حصل في سويسرا ومفاوضات جنيف2، وتمسك كلا الطرفين بمواقفهما السابقة - على الرغم من أن المحاورات الفردية التي تمّت مع غوتيريس في الكواليس مع كلا الطرفين على انفراد قد أنبأت بعكس ذلك - تعطي مؤشرات بأن التفاؤل بشأن السلام في المنطقة لا زال غير قريب المنال.
 في كلمة أخيرة، ما توقّعكم لتطورات هذه القضية  في قادم الأيام؟
@@ في الأخير أعتقد أن الوصول إلى حلّ واضح المعالم في قضية الصحراء الغربية وفقا لعلم التفاوض السياسي وقت الأزمات، يقتضي من كلا الطرفين بداية التعامل مع الآخر كشريك وليس كعدو، وهذا الأمر يتطلّب مزيدا من الثقة والتنازلات من الطرفين ومحاولة تحييد كل ما من شأنه عرقلة مسار انفراج الأزمة الصحراوية خاصة فيما يتعلّق بالحلول العسكرية التي ستزيد الفجوة اتساعا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024