المحلّل الصحراوي ماء العينين لكحل لـ «الشعب»:

تجديد مهمة المينورسو مكسب آخر للقضية الصحراوية

حاوره: حمزة محصول

عاد المحلّل السياسي الصحراوي ماء العينين لكحل، في هذا الحوار الذي خصّ به «الشعب»، إلى قرار مجلس الأمن الأخير القاضي بتجديد مهمة بعثة المينورسو لـ 6 أشهر إضافية، ورأى فيه مؤشرا إيجابيا، داعيا الجانب الصحراوي إلى التعامل بحذر شديد مع التطورات المقبلة للقضية، خاصة بعد إصرار واشنطن كسر جمود الملف.

«الشعب»: قرر مجلس الأمن الدولي تجديد مهمة بعثة المينورسو، لستة أشهر، للمرة الثانية على التوالي وعكس ما أوصى به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في تقريره، كيف تقرؤون ذلك؟
 ماء العينين لكحل: هناك عدة قراءات ممكنة لهذا التطور الذي طرأ على تجديد عهدة المينورسو منذ اعتماد مجلس الأمن هذا الاتجاه في القرار السابق في شهر أفريل 2018، وهو اقتراح أمريكي بالفعل، مثل هذه المرة، ويترجم قناعة توجه جديد في الإدارة الأمريكية يقوده، كما يعلم الجميع مستشار الأمن القومي الجديد لإدارة ترامب، جون بولتون.
 هذا السياسي اليميني المعروف، لا يؤمن كثيرا بطرق عمل الأمم المتحدة، كما لا يتفق مع تضييع ملايين الدولارات على مهام أممية لا تفيد في تحريك القضايا والأوضاع التي تكلف بها سياسيا.
 من هنا يمكن قراءة الأمر على أنه انسجام أمريكي مع رؤية وتوجهات هذا المسؤول، ومع توجه إدارته على العموم في تقليص تعاطيها المالي مع الأمم المتحدة بشكل عام. والجميع يعرف ما فعلته من تقليص أو قطع مساهماتها في عدة هيئات أممية من قبيل انسحابها من مجلس حقوق الإنسان الأممي، ومن اليونيسكو، ومن الميثاق الأممي للهجرة، ومن تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
ولكن من جهة أخرى، نعتقد أيضا أن هذا التوجه يتماشى عمليا مع مطالب جبهة البوليساريو التي تريد من مجلس الأمن أن يتابع ملف الصحراء الغربية بشكل أكبر، وبالتالي يمكن القول أن معالجة الموضوع مرتين في السنة، بل أربع مرات فعليا لأن القرار الجديد يطالب الأمين العام بتقديم تقارير عن تقدم المفاوضات كل ثلاثة أشهر، هو ممارسة فعلية للضغط ليس فقط على طرفي النزاع، بل أيضا على الأمين العام ومبعوثه الشخصي لتحريك مسار المفاوضات بشكل أكثر فاعلية.
أما بالنسبة لمطلب غوتيريس، فليس وحده من يطالب بتجديد العهدة كل سنة، وذلك بدافع رغبته في توفير تمويل مستقر لها لسنة كاملة، بدل مناقشة التمويل مرتين في السنة، فالموضوع بالنسبة له هو أمر تقني أساسا.
وبالنسبة للمغرب، بالطبع فهو يفضل أن تتباعد فترات مناقشة القضية الصحراوية أكثر بل وأن تقع طي النسيان إن استطاع إلى ذلك سبيلا، إذن في المحصلة، فإن هذا المعطى الجديد أمر إيجابي على العموم بالنسبة للقضية الصحراوية.

 مؤشرات في الأفق

واشنطن تقول ان التعامل مع الملف لن يكون كما في السابق، وهي من ألّحت على مدة الستة أشهر، هل يمكن القول انها باتت فاعلا مؤثرا في مسار التسوية أكثر من فرنسا؟
 الولايات المتحدة الأمريكية كانت جهة فاعلة في قضية الصحراء الغربية منذ زمن بعيد. لا يجب أن ننسى مثلا أن ملك المغرب السابق، الحسن الثاني، لم يكن ليتجرأ على غزو الصحراء الغربية لولا إشارة عدم الاكتراث التي أعطاها له وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، هنري كيسنجر.
وقد كشفت بعض الوثائق التي رفعت عنها السرية سنة 2006 أن كيسنجر لعب دورا هاما في تشجيع الحسن الثاني على هذه المغامرة، في إطار سياسة بلاده آنذاك في فترة الحرب الباردة، وبعدها لعبت الولايات المتحدة أدورا مخزية في دعم المغرب عسكريا، عرفت أوجها خلال فترة حكم رونالد ريغن.
 لكن خلال العقود الأخيرة، وبالخصوص منذ تدخل الولايات المتحدة وبعض الجهات الأخرى في التسعينيات في مسار التسوية الأممي بين المغرب والبوليساريو، بدأت الإدارة الأمريكية تعالج موقفها شيئا فشيئا، وحاولت في الكثير من المرات أن تلعب دور الموازن للمواقف داخل المجلس حيث تلعب فرنسا دور الحامي الشرس للمصالح المغربية، في حين تبقى مواقف بريطانيا وروسيا والصين، رغم كل شيء منسجمة إلى حد ما مع رؤية احترام ميثاق الأمم المتحدة بخصوص تصفية الاستعمار.
الآن، لا يمكن الجزم بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستقف إلى جانب الطرف الصحراوي، ولكن بالتأكيد أنها تحاول الضغط على البعثة الأممية وعلى الطرفين لإيجاد حل، والخروج ربما بنتائج من الجولة الخامسة من المفاوضات المباشرة التي يبدأ التحضير لها في اجتماع أولي، يومي 5 و 6 ديسمبر كما تعلمون.  
ولكن، في النهاية، وحسب ما جرت عليه العادة، فإن فرنسا تعتبر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية المعنية الأولى عن النزاع في المنطقة بحكم أنها القوة الإستعمارية الأكثر تأثيرا في شمال أفريقيا.
 ولا بد من أن نرى في المستقبل القريب ربما مواجهة، أو نقاش حاد بين الولايات المتحدة وفرنسا على الأقل فيما يخص وتيرة التعاطي مع الملف. ففرنسا تريد ربح المزيد من الوقت للمغامرة الاستعمارية المغربية، في حين يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية على الأقل، وربما بسبب الضغوط الاقتصادية عليها، تريد التخلص من هذا الملف سريعا، أو على الأقل الدفع به إلى الأمام بغض النظر عن وجهة هذا الدفع، وهنا، لا بد لنا كصحراويين أن ننتبه كثيرا لما ستأتي به الأيام القادمة.
هل يمكن اعتبار القرار الاخير مفيدا للمفاوضات الاولية المنتظر اجراؤها مطلع ديسمبر بين طرفي النزاع؟
 كان واضحا من قرار أفريل الماضي أن هناك توجها جديدا للدفع بالمفاوضات، ويمكن القول أن الأزمة التي خلقتها مواجهات الطرفين في الكركرات قد حركت الآلة الأممية والدولية، وأثارت الانتباه إلى أنه لا يمكن الثقة في استقرار الوضع القائم إلى ما لا نهاية. وهذا القرار مثل سابقه، ورغم أن به الكثير من الأشياء التي تشوب قيمته، والتي يحاول المغرب وحاميته فرنسا تسجيل بعض النقاط الهامشية بها، ولكن لا يزال الجوهر هو البحث عن حل سياسي يضمن تقرير مصير الشعب الصحراوي بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة.
 إذن لا يمكن، على الأقل احتراما لهذا النص، أن يكون الحل المتفق عليه خاليا مما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة بخصوص تصفية الاستعمار من البلدان المحتلة.
والقرار ما يزال يعترف أن الصحراء الغربية محتلة، ويعترف أن طرفي النزاع هما المغرب، القوة المحتلة، والبوليساريو، ممثل الشعب الصحراوي الشرعي الوحيد، ويحث الدولتين الجارتين، الجزائر وموريتاينا، بمواصلة دعم جهود الأمين العام كما فعلتا خلال كل جولات المفاوضات السابقة. ولكن على العموم، يمكن القول أن هذه الديناميكية الجديدة في اولها فقط، وكما يقول البريطانيون، «للننتظر ونرى» ما سينتج عنه.

 الاحتلال في طريق الهزيمة اليوم أو غدا

صدر لكم مؤخرا كتاب حول بدايات نهاية الاحتلال المغربي، هل يمكن ان تلخص للقراء ابرز المؤشرات التي رأيت فيها عامل تحول في النزاع؟
 بداية أريد التنبيه إلى أن كتابي الجديد هو تجميع لعدد من المقالات والدراسات والحوارات التي كتبتها خلال أزيد من عشر سنوات بقليل، والتي تناولت فيها جوانب متعددة من النزاع. وشخصيا، أعتقد ان صراعنا الحالي مع الاحتلال المغربي، كجميع الصراعات التي خاضتها الشعوب، ورغم ما قد يبدو من اختلافات في سياقاتها، وتطوراتها، إلا أن هناك ثوابت ومؤشرات مشتركة بها تجلعها متشابهة النتائج في النهاية إلى حد بعيد.
الثوابت هذه في نظري هي أن أراض من الصحراء الغربية هي محتلة فعلا، لكنها محددة، ومعترف بها وطنيا وقاريا وعالميا بأنها محتلة، وبأن مالكها الحقيقي اسمه الشعب الصحراوي، وبأن هذا الشعب، شعب منظم ومصر على انتزاع حقه ولديه ممثل سياسي شرعي وحيد إسمه جبهة البوليساريو، وبأن المغرب، ورغم كل البهلوانيات التي يقوم بها سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا، لا يملك لا السيادة ولا حتى الإدارة عليها، إذن هو قوة احتلال قسرية فقط، وبأن أعلى هيئة دولية، الأمم المتحدة، تعترف أن طرفي النزاع في قضية تصفية الاستعمار هذه هي المغرب، المحتل، وجبهة البوليساريو، حركة التحرير، وتقر ايضا أن حل النزاع لا بد أن يضمن حق شعب الصحراء في تقرير المصير، عبر استفتاء أو عبر اتفاق بين الطرفين يضمن احترام هذا الحق، هذه أمور تقنية، لا ينبغي أن تغطي على الجوهر الذي يبقى أن هذا الحل لا مناص من استشارة الشعب الصحراوي عليه.
وفي كتابي لامست القضية من خلال التطرق للموضوع السياسي، ولكن أيضا لحقوق الإنسان، ولموضوع الثروات الطبيعية، والصراع الثقافي، والانتفاضة كظاهرة هامة سايرت كل مراحل الثورة الصحراوية، فعكس الكثيرين، لا أرى أن الانتفاضة ظاهرة جديدة في الصحراء الغربية، ما دامت أول انتفاضة في المنطقة كانت انتفاضة 17 جوان 1970، كما يعلم الجميع.
 أعتقد أن بالكتاب مجموعة من النصوص المستقلة عن بعضها بعض، لكن المترابطة أيضا في الموضوع، وفي الرؤية المؤمنة بأن مآل سلطة الاحتلال إلى زوال، اليوم أو غدا، هذا لا يهم كثيرا لأن حياة الشعوب لا تقاس بأعمار الرجال والنساء، بل كما قال الشهيد الولي مصطفى السيد، المعركة معركة أجيال، وكل ما عاناه ويعانيه الشعب الصحراوي هو مجرد تطور طبيعي ومنطقي لشعب تشكلت لحمته الوطنية خلال القرون الأخيرة، ولا بد أن يمر بالمراحل التي مر بها لينتقل من مرحلة وحياة البداوة والتشتت إلى مرحلة الدولة والمؤسسات والمجتمع الحضري الملتحم. واعتقد أن جميع الشعوب مرت بظروف مشابهة وإن اختلفت في تفاصيلها، وفي طول أو قصر المراحل التي مرت بها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024