اعتبر الكاتب والمخرج المسرحي، محمد بويش «أنّ تداولية ما يسمى بمسرح الفضاء المفتوح وإمكانية التمرد على مسرح العلبة، تستلزم إعادة طرح استغلال الموروث في قراءة للأبعاد الميثولوجية المعروفة عندنا واعتماد تجربة جديدة لمسرح الشارع، إضافة إلى خلق جماهرية متوازنة مع تلقي مباشر لا يعتمد على تكسير الجدار الرابع البرختي..»
إذ عبّر بويش في لقاء خاص مع «الشعب» عن حال مسرح الشارع بالجزائر عن اعتقاده «بأننا نستطيع التعايش مع الفن المسرحي في الفضاء المفتوح إذا ما تمكنا من قراءة ذاتنا التراثية والتقليدية الزاخرة بالطقوسية والاحتفالية في عروضنا وأعدنا قراءة ما نكتنزه من زخم ثقافي خارج حصار مسرح العلبة».
«الشعب»: ما هو تقييمكم لواقع الركح المفتوح بين التأسيس والغياب وفاعلية التواجد؟
محمد بويش: في الترتيب الزمني والمكاني لتأسيس ما يسمى بالمسرح في الفضاء المفتوح، لعب المسرح الروماني كبنية ركحية دوره الفعال في إرساء بات تمثيلي مواجه مع متلقي في مسارح مفتوحة كانت الجوقة.. الكورس... هي سيدة الموقف في تلك الحقبة من المبثوث المسرحي المحرك للفاعل الجمهوري وفق نظرية تأثر وتأثير دون حواجز أومعوقات وصول..
واستمر مسرح الشارع بتغطية الفعل المسرحي لأمد كبير، وحتى في الجزائر كانت الطقوس الأولى لما قبل المسرح المستمدة من الميثولوجيا الأمازيغية خصوصا ترتقي بالمتلقي من فضاء مفتوح إلى تلك الأبعاد الروحية والإنسانية كما نراها في البناء المسرحي الحديث وفق كيروغرافيا تعبيرية يقرأها التاريخ الفني كتعبير جسدي مهم لمرحلة ما قبل المسرح..
ولكن نفتقد هذه الميزة الخاصة أحيانا من حيث التمركز في مسرح الشارع كدال طقوسي تراثي وندخل مكرهين إلى العلبة الايطالية كملزم تاريخي، وهذا ما أدى إلى فقدان مميزات كثيرة لمسرح الشارع في الجزائر خصوصا.. بمعنى أن الميزة التي تبنيناها من مسرح العلبة جعلنا ننسى طقوسنا ونستمر في مسرح أروبي وصل إلينا عن طريق جورج ابيض في العشرينات وافتقدنا نحن مسرح الشارع كأداة تعبيرية طقوسية قبل أسفار هذا الفنان اللبناني إلى الجزائر.
لوعدنا إلى السياسة الثقافية المنتهجة حاليا في الجزائر، هل يمكن أن نلمس بوادر إعادة تشكيل مسرح شارع في الفضاءات المفتوحة، وهل هناك قابلية من جهة المتلقي الحالي لمثل هذا الطرح؟
في إعادة التمركز للدعوة إلى الفن كمرجعية أساسية لقراءة الموروث يكون الأمر ممكنا، وهذا ما نراه في الكثير من المبادرات التي تتبنّاها الهيئة الثقافية عندنا بداية من مسرح الجنوب ومهرجان المسرح الأمازيغي والدعوات الكثيرة لمحاولة إخراج المسرح الجزائري إلى الفضاء المفتوح خصوصا المسرح الطقوسي الذي أصبحت العلبة الايطالية سجنا له.. ولعب تنظير علولة في مسرح الحلقة الدور الكبير في هذا، لكن لم يتم الاستثمار فيه وتمّت قراءته في زمنه فقط .. ولا ننسى تجربة بالرشيد في المغرب وفق الاحتفالية التي هي أساس اللعب المسرحي في ركح مفتوح..
ألا ترون أنّ الأسباب في جزء كبير منها ترجع إلى المخرجين في الجزائر، إذ لم يستثمروا في الخروج من مسرح العلبة إلى الفضاء المفتوح خوفا من المغامرة؟
أعطيك تجربة قمنا بها في إطار مهرجان مسرح الهواة الأمازيغي بباتنة وفق رؤيا الفضاء المفتوح واستلهمنا مع المخرج لحسن شيبه قراءة تراثية للعرض.. وقد وصل العرض إلى قمة نجاحه أمام المشاركة الحسّية للمتلقي الذي يشاركك العرض بكل حواسه ويعيش معك أدق التفاصيل.. والحراك في الفضاء المفتوح مع العرض يعطيك أبعادا جديدة لرؤية المسرح من بؤرة المشاركة لا من حيث التلقي فقط كما أنّ الستريت شو أو مسرح الشارع يعطيك أكبر رصيد من الأبعاد الروحية وأكثر من بهرجة النظر الحديثة التي دخلها الفن الرابع في العلبة..
نعم، أوافقك الرأي في عزوف المخرجين عن المغامرة في الفضاء المفتوح نظرا لعوامل التقبل أوعدمه من المتلقي الحالي ونظرا لانسحاب الطقوسية التي كانت تجول شوارع المدن والقرى ممثلة في تراثنا الذي كان يحتفل به في الشارع وتقبله الجمهور، وأعتقد أنّ المخرج عندنا لا يميل إلى نصوص الميثولوجيا لأنها تحتاج إلى قراءات متعددة والى زخم كبير للانجاز والى فضاء مفتوح للتجسيد ونحن نعرف انه لا نمتلك مسارح للعرض المفتوح إلا ما تركه الرومان، وهذا ما لم تنتبه إليه وزارتنا الثقافية على الأقل لتقنين عروض في هذه المسارح بسبب التفرغ التام لإقامة مهرجانات غنائية في كل من تيمقاد وجميلة.
هل تريدون إضافة شيئ إلى ما قلتم؟
عموماً الهم الأساسي هوأن نحمل على عاتقها الرقي بالمجال الثقافي والإبداع والحفاظ على موروثنا الثقافي والحضاري الأصيل، لنذهب باتجاه إقناع الفاعلين في القطاع وكل من هم بموقع القرار، بهدف تنشيط قطاع الفنون الشعبية بالجزائر عامة التي تعد مهدا للعديد من الحضارات، ما جعل منها علامة مهمة في تاريخ الفن القديم بطقوسه وعاداته وتقاليده الضاربة في عمق التاريخ.——