دعت الباحثة في الإعلام وأستاذة علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر زينب بوشلاغم «إلى ضرورة تغيير الرؤية الفكرية واستراتيجية تناول ومعالجة المواضيع التاريخية باعتماد قوالب فنية جديدة وحوامل إعلامية تكون أقرب إلى اهتمامات الشباب عبر مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي والخروج من الدائرة التقليدية الكلاسيكية واللغة الأكاديمية الجافة التي لم تعد تلقى استجابة وتفاعل من قبل الجيل الجديد..
اعترفت الباحثة زينب بوشلاغم في ردها على سؤال «الشعب» حول مدى اهتمام المبدعين بالقضايا والأحداث التاريخية الوطنية «أن هناك تقصيرا تجاه تاريخنا بشكل عام من خلال المنتجات الثقافية بكل أشكالها الإبداعية، فالإنتاج الثقافي الحالي لا يعكس جيدا ذلك الزخم التاريخي والثراء التراثي الذي تزخر به الجزائر الذي يعتبر نادرا وفريدا على المستوى العالمي، فأغلب النشاطات والبرامج الثقافية التي تقدم حاليا عبر المراكز ودور الثقافة الوطنية هي تقريبا سطحية ومناسباتية يغلب عليها الطابع الرسمي والتكريمات، لكن «الوعي المطلوب في مثل الفضاءات غير موجود لأن مسؤوليتهم هي إيصال تراثنا التاريخي خاصة إلى فئة الشباب من أجل الاستلهام من هذه العبر والمآثر الخالدة والدليل في ذلك ـ تضيف أستاذة الإعلام ـ «أن الطالب الجزائري لديه قلة رهيبة في المعلومات التاريخية حتى بالنسبة للمحطات الهامة في تاريخ الثورة التحريرية وقبلها نضالات الحركة الوطنية..
انتاج وزارتي المجاهدين والثقافة قليل ويغلب عليه الطابع الرسمي
في سؤال عن الأسباب التي أوصلت إلى هذه الوضعية وشبه القطيعة بين الجيل الحالي وتاريخه ودور الفنانين المبدعين في ردم هذه الهوة بأعمالهم الفنية، أرجعت الأستاذة زينب بوشلاغم ذلك إلى «قصور المنظومة الثقافية في الجزائر بمختلف فضاءاتها ومؤسساتها في استغلال التراث التاريخي الوطني ونقله عبر الأجيال ويأخذ هذا التقصير عدة أشكال بداية من طبيعة الكتاب التاريخي، فالإنتاج الحالي الصادر عن وزارة المجاهدين أو وزارة الثقافة قليل ويغلب عليه الطابع الرسمي وأغلبها كتابات جامدة بدون روح حقيقية، وفي المجال المسرحي والسينمائي أيضا لا نجد مسرحيات وأفلام حقيقية تعكس هذا العمق التاريخي الجزائري نتيجة تراجع الأعمال الفنية الجادة في العقود الأخيرة مقارنة مع ما قدم من إبداعات عالمية بالخصوص في المجال السينمائي في فترة الستينيات والسبعينيات وكل ما يعرض حاليا يفتقد للبحث الدقيق والمصداقية التاريخية».
استغلال منصات التواصل الاجتماعي ومخاطبة الشباب بلغته
وعن طبيعة الحلول الممكنة لمعالجة هذا الشرخ وإعادة بناء إستراتيجية جديدة في طريقة معالجة المواضيع والأحداث الثقافية ونقلها بقالب فني جذاب ومقبول لدى الجيل الحالي، جيل الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي أكدت الباحثة بالقول «لما نطرح مشكلات حقيقية معينة على الساحة لابد أن نكون واقعيين وفاعلين في تقديم تصورات ومحاولة إيجاد حلول لهذه المشكلة، ومن هنا أرى حتمية تكاتف جميع الجهود ما بين الفاعلين في الميدان الثقافي والإبداعي وما بين الباحثين والمؤرخين لإرجاع هذا الحس والوعي التاريخي الحقيقي لفئة الشباب وهذا باستغلال كل الفضاءات الممكنة، وتبدأ بمجال الإنتاج الثقافي والفني وحتى الأدبي، فالملاحظ اليوم أن كل المحاولات المتعلقة بالكتابات التاريخية تأخذ أبعدا أكاديمية بحتة لا تصل إلى القارئ العادي أو تقديمها بلغة غير لغة قارئ اليوم، وذلك راجع إلى عدم دراسة طبيعة الجمهور المستهدف من أجل تكييف هذه المضامين حسب الرغبات وهي اكبر معضلة نواجهها اليوم.
ترجمة الكتابات التاريخية في مضامين فنية سمعية بصرية مشوقة
كما دعت الأستاذة بوشلاغم «إلى ضرورة استغلال واقتحام فضاءات الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أجل استرداد الإرث التاريخي وتمرير الرسالة التاريخية الحقّة بمختلف طرق الإبداع بطريقة خالصة بعيدا عن كل أشكال الاستغلال أو الاستعمالات الضيقة، فبدلا من تقديم مضامين تاريخية وكتب أكاديمية جافة قد لا تؤدي غرضها المطلوب، لماذا لا تقوم هذه المؤسسات الثقافية والتاريخية بترجمة هذه الكتابات والإبداعات في شكل مضامين سمعية بصرية ونشرها بطريقة جذابة في هذه المواقع الإعلامية الجديدة، وأيضا تحويل مضامين الكتاب التاريخي في ظلّ تراجع المقروئية إلى أعمال مسرحية وحتى سينمائية قصيرة يتمّ عرضها في فضاءات الشباب والجامعات بإمكانها إيصال الرسالة التاريخية بأحسن صورة وأكثر فعالية تتساءل الباحثة؟.