اعتبر الشاعر والفنان التشكيلي زكرياء جبوري في حديث لـ»الشعب» أن الفنان المبدع تتحكم فيه أمور كثيرة أولها الذوق العام الذي يجعله في أغلب الأحيان يفكر في اختيار المواضيع القادرة على تمكينه من تحقيق عوائد ومكاسب مادية ومردودية أكبر عبر الاهتمام بالأكثر رواجا بين الجمهور المتلقي، في حين من المهم أيضا أن يولي بعض الاهتمام للأحداث الوطنية التاريخية والتي لابد أن يهتم أيضا المسؤولون على تشجيع إنتاج إبداعات تتناولها من أجل تكريس ثقافة الاهتمام بالذاكرة الجماعية في أوساط الجمهور.
أوضح المتحدث أن «المبدعين والفنانين يهتمون حاليا بشكل عام بالمحطات الوطنية التاريخية سواء في ذكرى مجازر 8 ماي الأليمة أو غيرها من الأحداث، لأنها أمور تستحق البحث والعمل عليها ولأنها محطات يجب التوقف عندها وكل فنان أو كاتب يصوغها لنا بلغته وأسلوبه الخاص، سواء كانت في شكل لوحة تشكيلية أو معزوفة أو عمل مسرحي إلى غير ذلك من الفنون».
إلاّ أن هذا لا ينفي أن هناك مجموعة كبيرة من المبدعين لا نقول أنهم يهتمون بالأحداث التاريخية، لأن المبدع وجب عليه الإهتمام بمثل هذه الأمور التي تحمل الكثير من الألم، وإنما نقول أنهم لا يهتمون بالأحداث التاريخية لأن القارئ أو المتلقي لا يهتم بذلك أيضا، نتيجة لنقص الوعي والثقافة الفنية.
وفي الواقع، فإن تواجد المبدع في سياق وظروف عامة تتحكّم فيها العديد من الأمور، أبرزها ما يطلبه الجمهور ويجعله في كثير من الأحيان يتوجّه إلى الاهتمام أكثر لإرضاء الذوق العام للجمهور، لأنه لا يمكن بصراحة أن يظلّ الفنان يبدع لنفسه أو لرفقائه في الفن أو يتصنّع حب الوطن في مجموعة أبيات أو لوحات تعبر عن ذلك الفنان المخلص، الفنان النقي في حين هو أيضا بحاجة إلى الاهتمام الكافي لما يحقّقه من إبداع، كما لا يخفى علينا أن معظم الفنانين هم من الطبقات الوسطى والفقيرة، لذلك هم بحاجة إلى المال، وإذا كان المبدع أو الشاعر لا يلقى الاهتمام من المجتمع أو الدعم من طرف الجهات المسؤولة من أجل تكريس ذلك وتعويد الجمهور على الاهتمام بالإبداعات التي تتناول هذه المواضيع من أجل السعي لترقية الذوق العام، فلا يمكن أن نتوقع منه التضحية والاهتمام بمثل هذه الأمور.
بحث الجمهور وتذوقه للتاريخ تحفيز للإبداع
وبصفتي شاعرا وفنانا تشكيليا يقول زكرياء جبوري فقد مررت بتجارب كثيرة من هذا النوع التي تأكد لي من خلالها أن الفنان في حاجة إلى مسايرة الذوق العام، فمثلا «التقى بي أحد الفنانين في إحدى المرات واطلع على أعمالي وبعض لوحاتي التي تناولت مواضيع تتحدّث عما يعيشه أبناء بورما وسوريا وفلسطين من ظلم وتعد على الإنسانية في ظل الحروب، فقال لي لماذا ترسم هذه اللوحات الحزينة التي تقشعر لها الأبدان فهي أعمال لا تستطيع بيعها وقد وضعت بها كل مالك ووقتك وطاقتك، خصوصا وأنت لا تعمل ابحث عن مواضيع فنيه تستطيع بيعها».
الأعمال المنجزة لم تعط الذاكرة الوطنية حقّها
أما فيما يخصّ موضوع الذاكرة فهو لا يقتصر على الموهبة فقط، بل يستلزم البحث والتدقيق في الأحداث التاريخية والوطنية لأن موضوعا مثل هذا إذا احتاج الموهبة فسيحتاجها فقط في كيفية البحث إما عن الأعمال السينمائية والمسرحية والأوبيرات والإصدارات الأدبية، فهي أيضا لا تعطي مثل هذه المحطات الهامة من التاريخ حقها لأنها من صنع البشر، ولأن الكثير من الحقائق تمّ طمسها واخفاؤها وما نشاهده أو نقرأه في نظري هو مجموعة من المعلومات قاموا بجمعها ثم تركيبها بعدة لغات، فما هي وبالأحرى إلا اجتهاد لما وصلوا إليه من معلومات.
تكاتف جهود الفنان والمثقف والسينمائي والمسرحي
وفي حديثه عن مثل هذه المبادرات التي يمكن القيام بها لإحياء التاريخ فقد وضّح بأنها بالنسبة للفن التشكيلي تكمن في خلق أنشطة ومسابقات ومعارض تخصّ فقط الذاكرة، لأن مثل هذه الأنشطة تخلق روح التنافس والبحث لدى الفنان وتجعله أكثر اهتماما بالتاريخ، وكما قلت سابقا أن الاهتمام يصنع الاهتمام، لأن الفنان يستعين بالباحث والكاتب في ترجمة لوحاته والمخرج السينمائي يستعين بتلك اللوحات لخلق مشاهد دراماتيكية لعمله أيضا، فكل فن يكمّل الآخر وإذا عمل الجميع على صنع أعمال تخص الذاكرة وتسعى لصون الذاكرة الوطنية الجماعية، فإن ذلك سيساعد كثيرا على فتح المجال لتجربة متعة البحث والتعمق أكثر بالنسبة للجيل القادم الذي سيخطو على نفس الخطى.