وقف الإعلامي عبد الرزاق جلولي في حديث لـ«الشعب» على العديد من النقاط الهامة التي يسجلها مشهد الإعلام الثقافي في الجزائر انطلاقا من أهميته وواقعه ومدى مساهمة العمل فعليا في توثيق وتوطيد أواصر التواصل بين المؤسسات الإعلامية والثقافية في ترقية التناول الإعلامي والمعالجة الإعلامية للحدث الثقافي في بلادنا، معرّجا على بعض الشوائب التي أضحت تضرّ بواقع الإعلام الثقافي على غرار غياب تأطير الممارسة الإعلامية بشكل عام مع تأكيده على وجود أقسام وأقلام متميزة حاضرة وبقوة في صناعة المشهد الثقافي.
ومن هنا، اعتبر الإعلامي عبد الرزاق جلولي أن المتأمل لحركة الإعلام الثقافي في الجزائر اليوم يقف أمام واقع معقد ومتداخل تحكمه متغيرات عديدة، وتتحكم فيها عوامل كثيرة تتقاطع مع الواقع الإعلامي بشكل عام ومستوى أدائه ومدى تأطيره للحياة العامة، وأول ما يلاحظ في سيرورة الأداء الإعلامي في المجال الثقافي هو عدم وضوح الرؤية لمفهوم الإعلام الثقافي في حدّ ذاته بداية من التعاطي مع الحدث الثقافي وبناء الخبر الثقافي، هل هو بنفس خصوصية وبناء الخبر السياسي والرياضي والاجتماعي أم له خصوصية معينة تبني على قيم معرفية؟.
كل هذا كما ذكر محدثنا، إلى جانب غياب التراكم الذي يشكل رصيدا لحركة إعلام ثقافي فاعلة، وذلك نظرا لأسباب عديدة، أهمها القطائع المتواصلة بين الأجيال الإعلامية والأجيال الثقافية، بالإضافة إلى النظرة الدونية التي تحظى بها الثقافة عند بعض مسؤولي المؤسسات الإعلامية، التي في أغلبها تجعل الثقافة ملأً للفراغ فقط، وهو ما يجعل الصحفي الثقافي بدوره يتخذ موقعا في أسفل قائمة الصحفيين أهمية في المؤسسة الإعلامية، بل تحوّل القسم الثقافي إلى فضاء للمتربصين للأسف الشديد، كما أن الكثير من الإعلاميين في الأقسام الثقافية يفتقدون الحسّ الثقافي والبحث عن التجديد والاستسلام للأمر الواقع تحت ظروف معقدة تحتاج لموضوع آخر، ومع ذلك يؤكد الإعلامي جلولي على «وجود أقسام وأقلام إعلامية متميزة وحاضرة بقوة في صناعة المشهد الثقافي».
على المثقف أن يوطّد علاقته بالإعلامي
أما بالنسبة للمؤسسات الثقافية، فقد أوضح أن هناك بعض المؤسسات التي أدركت قيمة الإعلام ووثقت علاقتها بالإعلاميين واستطاعت بحسّها الاتصالي أن تتحوّل إلى مادة يومية لوسائل الإعلام إلى درجة أنها تصنع حدثا من لا شيء، عكس كثير من المؤسسات التي مازال القائمون عليها يحملون أفكارا بدائية حول أهمية الإعلام فكثيرا ما نصادف نشاطات ثقافية وفكرية ذات مضامين دسمة ومهمة ولكن تمر دون أية قراءات كسحاب الليل لا يسمع بها أحد، نفس الشيء ينطبق على المبدع بشكل عام فكلما وطّد علاقته بالإعلام كلما كان حضوره أكبر وصوته أكثر مسموعية. خاصة يضيف قائلا: «إذا كان مبدعا حقيقيا، يتقن فنّ الاتصال وربط العلاقات بغض النظر أحيانا حتى على مستوى إبداعاته.
الإعلام الثقافي مرآة للكثير من الأسماء المبدعة
فغياب التكوين والحسّ النقدي للإعلاميين يجعل كل من هبّ ودبّ مبدعا ومثقفا، وهو ما جعل من بعض الأسماء تتكرّر في كل المواضيع ذات الصلة بالثقافة فتقول، أي كلام وفي كل مجال دون تخصص ودون تمحيص وأحيانا بآراء ومعطيات كارثية ولكن لا حياة لمن تنادي لأن الإعلام الثقافي بات يفقد جزءا كبيرا من هيبته وفعاليته وتأثيره، بل الأدهى والأمر أن الأمر يتحوّل أحيانا إلى ضرب للقيم الوطنية ونشر معلومات تنال من التاريخ الوطني بل وقد تتحوّل إلى صناعة فتن داخلية بسبب الجهل ونقص الفهم والسطحية في المعالجة الإعلامية، وهو ما نلاحظه في كثير من الأحيان للأسف، ناهيك عن غياب التأطير للممارسة الإعلامية بشكل عام. ومع ذلك يضيف الإعلامي جلولي، «لا ننكر الدور الكبير الذي يؤديه الإعلام الثقافي على الساحة الثقافية ومساهمته في تكريس الكثير من الأسماء التي أصبحت تتصدّر المشهد الإبداعي وطنيا وعربيا وحتى عالميا، حيث بات شريكا مهما لكل الفعاليات الثقافية والفاعلين في ميدان الثقافة، مشيرا إلى أن ما نحتاج إليه الآن هو إعادة الاعتبار للإعلام في حدّ ذاته ومن ثمّة للثقافة في مسار المجتمع وهذا لا يمكن أن يتحقّق بدون وجود مشروع مجتمعي يضبط سلم القيم الناظمة للحركية الاجتماعية بشكل عام».