الأطفال والكيمياوي محرّكا التّأثير على الرّأي العام
ركّزوا على جثّة «أيلان» وأخفوا حادثة مدرسة «عكرمة المخزومي»
ما يحدث اليوم في سوريا، ليس تلك الأرقام المحصاة عن عدد الضّحايا هنا وهناك أو ذلك الكم الهائل من المباني المدمّرة، وإنما هناك الوجه الآخر لهذه «الحرب»، ألا وهي الصّورة التي تنقل الوقائع من الزّاوية التي تراها فعلا قادرة على توجيه الرأي العام وخدمة أهداف معيّنة، هذا ما حاولنا إثارته مع الكاتبة انتصار سليمان عند نزولها ضيفة على جريدة «الشعب».
الصّورة الخبرية اليوم لا يمكن فصلها أبدا عمّا يجري في هذا البلد، والقنوات الفضائية الإخبارية أصبحت امتدادا طبيعيا لما هو في الأرض، لا تبث أي شيء هكذا عبثا أو عفويا وإنما تنتقي بدقّة متناهية ما تريد إظهاره للمشاهد حتى يتفاعل معها، وخير دليل ما نقف عليه اليوم في الغوطة الشّرقية من «حرب» للصّورة الحقيقية، لا يهم مصدرها بالنسبة للبعض إن كان مراسلا أو هاويا، حتى شكلها، كاميرا أو هاتفا نقالا، المهم ما تحمله من مشاهد تؤدّي ما ينوي كل واحد الوصول إليه.
والكثير من هذه القنوات الفضائية التي تهتم بالشّأن السّوري وتعتبره مادة دسمة في نشراتها ومواجيزها لا تعير أدنى اهتمام لما يعرف بالمهنية الخاصة بالصّورة، تخلّت عن تلك الصّرامة في الاحترافية المعمول بها في القراءة الجيّدة لما يوجد في حوزتها من أشرطة مصوّرة أو مجموعة من المراسلات المتعدّدة المصادر، تقصي كل ما لا يخدم خطّها وتعتمد على تلك التي ترى فيها التّأثير الفائق والمباشر على المتلقّي المستلقي على أريكته أو القابع أمام الشّاشة الصّغيرة لا يتمتّع بتلك الكفاءة في تحليل ما يمطر به في كل لحظة.
والقائمون على الصّورة في القنوات الفضائية الحاملة لهذا التوجه ليسوا أناسا يمرّرون أي شيء بل تحوّلوا إلى أطراف تدعم فصيلا على جهة أخرى، وما يبثّون خاضع إلى تشريح نفسي عميق - على علم ماذا يفعل - إدراكا منه بأنّ قوّة الصّورة خير من ألف تعليق، وبإمكانها أن تحقّق ما يريدونه.
ولنا في كل ما نقول عيّنتان حيّتان عندما يتغيّر ميزان القوى في المدن التي توجد تحت سيطرة المعارضة السّورية (الجماعات المسلّحة)، تتحرّك هذه القنوات في عمل منسق من أجل وقف هذا التحول العسكري، وهذا بالشّروع في التّركيز على الجانب الانساني وخاصة الإكثار من تناول الأطفال في حالات اختناق، وكذلك إبراز البعض من الناس يُسحبون من تحت الأنقاض وهم في وضع يرثى له.
وهذه الاستراتيجية الاعلامية ثابتة لدى هذه الوسائط في التّأثير على ما يتحقّق سياسيا لصالح الدولة السّورية، ومفاد تلك الرّسالة واضح. وبناء على ذلك ثارت ثائرة الدبلوماسية الفرنسية، ووصلت إلى حد التّهديد بالرد على ما يقع في الغوطة الشّرقية، تبعها في ذلك حلفاؤها الغربيّون الذين اهتدوا إلى المطالبة بهدنة تصل إلى ٣٠ يوما ريثما يتم إعداد كل التّرتيبات الأمنية، وهذا ما يحصل في كل مرّة تكون فيه الكفّة لفائدة الجيش السّوري لتتوقّف فورا.
في مقابل ذلك، فإنّ الصّورة تختلف من جهة أخرى عند الاعلام الحربي السّوري، الذي يبث لقطات خاصة به ومن مصدر مراسليه، الذين يرافقون أفراد الجيش أو أنّ هذا الأخير يعمل بوسائله ويوزّعها على القنوات الرّسمية، والتي بدورها تنقلها إلى وسائل إعلام مرئية أخرى، زيادة على هذا فإنّه بإمكان المتتبّع أن يصنع أو يلاحظ الفارق في اطلاعه على المصادر الأخرى في كيفية نقل الأحداث بالصّوت والصّورة، وهذا لدى قنوات «روسيا اليوم»، «الميادين»، «المنار» التي تعمل وفق خط افتتاحي يترجم توجّهاتها المختارة.
ويمكن القول إنّ هذه الرّكائز أحدثت توازنا في المشهد الاعلامي لأنّ هناك قنوات تتبنّى الحياد، تستغل صور الاعلام الحربي السّوري في أخبارها ولا تلغيها أبدا من باب السّعي لتفادي أخذ أي موقف يتنافى مع سياستها الاعلامية في مخاطبة الآخر.