خسارتي في الحرب كبيرة لكن الوطن أولى...
مرت أكثر من سبع سنوات على دوامة العنف الإرهابي الذي تلتهم نيرانه سوريا التي يتطلع شعبها إلى إدراك بر الاستقرار من خلال بوابة المصالحة الوطنية.
لكن من يعرقل هذا التوجه ومن المستفيد من استمرار لهيب نيران يتصدى لها المجتمع السوري المتمسك باستقلالية قراره الوطني ورفض السقوط في قبضة كماشة حرب أهلية تغذيها أطراف أجنبية تستثمر في أزمة بلغت ذروتها، مثلما تعكسه مشاهد أليمة هي أقرب لانتحار من كونها ثورة كما قدمت في البداية.
الإعلامية السورية انتصار سليمان، التي زارت بلادنا وتنقلت إلى مقر يومية «الشعب»، حاملة بين أضلعها وفي سويداء قلبها المثقل بمآسي شعبها الشقيق، وجدت المساحة اللائقة بمقام بلدها لتقدم شهادات عن يوميات الإنسان السوري منذ أن تسللت إلى مجتمعه أفاعي إرهاب دموي مارست عصاباته أبشع الجرائم، محاولة أن تمنع الأغلبية الصامتة من تقرير خياراتها الداعية إلى السلام والاستقرار والمصالحة.
لم تكن كما روج لها في الأول ثورة من أجل الديمقراطية والحريات، إنما كما أظهرته السنوات، كانت حركة ترمي الى نشر التخريب والتدمير الممنهج، والمستفيد الأول من ذلك الكيان الصهيوني الذي يعزز قدراته ويطور إمكاناته، فيما تخسر سوريا التي تشكل خاصرة الوطن العربي والجبهة المتقدمة في وجه الكيان الإسرائيلي المزعوم.
سوريا التي ترسم لوحة إنسانية تتشكل من 24 طائفة دينية وعرقية وإثنية وقومية (عرب، كرد، مسلمين سنة وشيعة، مسيحيين بطوائف متعددة) تأبى أن تنهار، بالرغم من الهجمة الشرسة التي تشارك فيها عشرات القوى الإقليمية والدولية عبر أدواتها الداخلية التي باعت الوطن وفرطت في الشرف لترتهن في تبعية فيها رائحة خيانة يدينها التاريخ وتفضحها القيم وتستنكرها الأجيال.
تشير الإعلامية السورية إلى أن البداية كانت بإطلاق عملية تحريض ديني وقومي تسللت سمومه الى الداخل السوري بأساليب شيطانية أعدت في مخابر حللت ودرست كافة جوانب القوة والضعف في المجتمع السوري. وكان الهدف الأساس، إنجاز مخطط لتقسيم سوريا وتفتيت أواصر شعبها وفقا لمخطط يتشكل من 5 أقاليم تتناحر فيما بينها.
لكن كان للتاريخ القول الفصل، فتحمل الجيش السوري المشكل من كافة مكونات الشعب السوري، مسؤولياته الوطنية ليقف سدا منيعا في وجه المؤامرة وخاض معركة شرسة دفاعا عن وجود شعب مسالم أرادوا أن يسرقوا منه هويته المتنوعة والمنسجمة ويحولوها إلى بنزين لإذكاء اللهيب الذي تورط فيه نخبة من مثقفي البلد، تحولوا إلى غوغائيين، كما أكدت عليه محدثتنا متحسرة على ما حل بسوريا من خراب عمراني وتدمير اقتصادي، كما حصل في حلب العاصمة الاقتصادية التي تم تفكيك مصانعها المنافسة وتهريب ثرواتها خاصة القمح الذي بلغ مخزونه قبل الحرب حجما يغطي احتياجات 5 سنوات.
غير أن حضن الوطن وكرم شعبه الثابت وسط كل ما جرى ولا يزال يجري، لم يخسر ثقافته ليطلق مبادرة المصالحة كرّستها قرارات الدولة السورية، من خلال منظومة تشريعية حققت في مناطق عديدة من بلاد الشام مكاسب تجسد خسارة السلام والأمن بعد أن أدرك كثيرون من المغرر بهم خطورة المشروع الإرهابي الذي يضرب بلدهم من أساسه.
توضح انتصار سليمان في هذا الإطار، أن مفاوضات حصلت بين الفرقاء وتشكلت وزارة كاملة للمصالحة الوطنية تستوعب أبناء الوطن الذين انزلقوا في مسار لم يتصوروا كلفته وبرزت إثرها مشاهد للإنسان السوري الواعي والمتحرر من عبودية الإغراء والإغواء والتضليل.
أبرز ما حققته المصالحة وعي خيار وطني أنها فتحت الطريق لعزل العصابات الإرهابية المشكلة من أجانب مجرمين ومرتزقة بلغ عددهم كما أوضحته الإعلامية انتصار 130 ألف عنصر، وفقا لما أعلنه تصريح أمريكي، كما اضافت. ناهيك عن الحصار الإعلامي الفضائي والعزل الدبلوماسي بالجامعة العربية، دون أن تنجح في إسكات صوت الحقيقة التي أصبحت في كل يوم تعري المتآمرين الذين استعملوا أساليب غادرة لتشويه الواقع مثل التلاعب بالصور المفبركة والتسويق الإجرامي لفتاوى التقتيل، الإسلام منها براء.
لكن من أين استمدت سوريا تلك المناعة ليستمر مجتمعها البشري في الحياة رغم انهيار البنية المادية؟.. بلا شك استمد المجتمع السوري مناعته من تاريخه وثقافته، والأكثر أهمية من تطلعاته المشروعة في الحياة، منسجما مع هويته ومحافظا على سيادته لتستمر رسالة الدفاع عن فلسطين التي تبقى الحلقة الجوهرية في كيان الوطن العربي الذي كانت سوريا ولاتزال لبنة من لبنات أساسه وتعرضها للتفتيت يعرض كل الوطن العربي للضياع.
يمكن إدراك حجم المؤامرة، لما يتعرض مسار المصالحة والسلم والطمأنينة للعرقلة والتشويش والتعطيل، مع أنهم يقولون إن الهدف المتوخى هو الديمقراطية، فلماذا لا تتركون الشعب السوري يبني ديمقراطيته وفقا لخصوصياته وقيمه وهويته؟.