لقد شكّلت تضحيات الشّعوب وثوراتها مجالا خصبا في الأدب ومصدر إلهام لشعراء، كتّاب ومسرحيّين ولم يبق مجالها محدودا في جغرافية واحدة بل تنقل عبر العديد من المناطق في العالم بنفس الأفكار المقدسة للتضحية بالأرواح من أجل الوطن، من أجل الحرية والسلام رغم اختلاف المسميات وارتباطها بالمكان والعقيدة وربما الزمان أحيانا.
في هذا الموضوع تحديدا ارتأى الأديب الطاهر يحياوي أن ينطلق من الأدب الجزائري الذي كان منبعا فيّاضا وملهما لهذا اللون، حيث أوضح أن هناك مصطلحات كثيرة متقاربة مثل أدب الحرب الجزائرية وأدب الثورة الجزائرية وأدب النضال وأدب المقاومة، لكن أدب الشهيد حسبه يكتسي بعدا روحيا ثوريا وعقائديا وهو أشمل وأدق لأن ثورة الجزائر كانت من أجل الحرية والكرامة، كما أن مصطلح أدب الشهيد لا يمكن أن يكون في أي لغة أخرى غير اللغة العربية لأنه مصطلح ديني إسلامي، وأمتنا فقط هي من تطلق على من يموت دفاعا عن الوطن وقيمه شهيدا بينما لغات أخرى تطلق عنه الضحية أو القتيل، وفي هذا المصطلح تميز ذو بعد حضاري وإنساني لأمتنا العربية الإسلامية وتعبير أيضا عن خصوصيتها.
ويقول نفس المتحدث أن تقسيم الأدب الجزائري يخضع إلى ترتيب أجياله الأدبية، ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن جيل الثورة وهم أدباء وكتاب جيل الخمسينات من أمثال عبد الله ركيبي ومفدي زكريا ومحمد العيد آل خليفة وأدباء جمعية العلماء هؤلاء وغيرهم كثيرون من أمثال جلواح وصالح باوية ودود، وغيرهم كانوا جيلا تحدث عن الثورة الجزائرية ودعا إليها وأيّدها وعبّر عن مآسي الشعب الجزائري، ويعتبر ذلك الجيل جيل تحدي من جميع الجوانب سواء ما يتعلق بالاستعمار أو ظروف التعليم والثقافة، ورغم ذلك ترك أدبا نسميه اليوم أدب الثورة الجزائرية من قصائد وأناشيد وقصص ومقالات...إلخ.
واعتبر الأديب يحياوي أن أدب الشهادة والشهيد موضوع مستلهم من إيحاء الثورة ومحاولة لبعث جيل يكتب عن الشهادة، وهي قيمة عليا في ثورتنا وعن الشهيد وهو رمز مقدس، مشيرا إلى أنه أول ما ظهر هذا المسمى الأدبي كان في رابطة إبداع حيث أقدمت على تنظيم ملتقى وطني كبير بالعاصمة في قاعة ابن خلدون، وقد جاء هذا الاختيار من كون الجزائر أمة الشهادة والشهيد، وهي التي دفعت الملايين من أجل الحرية والاستقلال تحت راية الله أكبر.
ومن الأدباء والشعراء الذين كان لهم الدور الكبير في بعث هذا المسمى الجديد الشاعر والقاص نور الدين لعراجي رئيس تحرير جريدة «الشعب»، وإيمانا منه بأن هذا الطرح هو انعطاف على مضمون أدبي خاص ومتميز لا يمكن أن يكون إلا للأمم مثل أمة الجزائر التي وتحت راية الشهادة دفعت الملايين من أجل الوطن والعقيدة، وأضاف المتحدث أنه وفي تلك الفترة من عام 1993 كان الدكتور عبد الله ركيبي الناقد والأديب الجزائري الكبير وهو مجاهد ووطني من الطراز الرفيع قد انتفض فرحا بهذا العنوان، ووعد بأنه سيكتب كتابا في هذا الاتجاه ولكن ذلك لم يتم للأسف لأنه دعي لأن يكون سفير الجزائر في سوريا، وعندما عاد تغيّرت الأحوال ولم يمض عليه وقت طويل ليدخل في عزلة حتى توفي رحمه الله، ويذكر المتحدث أن من الشعراء الذين كتبوا وأبدعوا حقا في موضوع الشهيد الشاعر دردوخ الزبير، ثم ظهرت قصائد كثيرة تتحدث عن الشهيد على غرار مسابقة عن الشهيد الطفل الفلسطيني الدرة.
لم يغص كثيرا في القضايا الإنسانية والمعاني العميقة للثّورة
موضحا أنه قد كان من الممكن أن يتواصل العطاء في هذا الاتجاه، لكن الظروف السياسية الحالية الدولية أبعدت الكثير من المبدعين عن الخوض في مثل هذه المواضيع خاصة، وقد أصبحت الشبهة السياسية تتبع كل من تناول مثل هذه الموضوعات في ظل التحولات التي يعرفها العالم واختلاط المفاهيم والأطر العامة الموجهة للموضوع وتعد هذه إحدى المعوقات التي جعلت الموضوع لا يأخذ حقه، بالنسبة للأستاذ الطاهر يحياوي فإن هذا الأدب لم يتعمق كثيرا في القضايا الإنسانية والمعاني العميقة للثورة وأبعادها ومضامينها فقد ولد معها وواكبها لذلك ما تزال الثورة موضوع استلهام وكتابات تكون أعمق وأكثر تعبيرا عن مفاهيمها وأدبياتها وقيمها، كما أن الثورة الجزائرية لازالت تشكل أحد أهم الكنوز المفتوحة في انتظار جيل يعود إليها ويبعثها من جديد.