الجميل في الفن الموسيقي خاصة منه الطبوع الذي تعتمد على الصوت وإيقاع الآلات التقليدية كالطبل والقمبري والفردة، أنها تتحدى الحدود وتكسر في الكثير من الأحيان أسوار المجتمع المحافظ، والجميل أن تكون هذه الطبوع سفيرة باللباس التقليدي والموهبة الفذة والأغاني القديمة التي توارثتها أما عن جدة، لتفتح من خلال العروض الفنية التي تقدمها والتي كان آخرها الحفل الذي احتضنته أمس قاعة ابن زيدون برياض الفتح، نافذة على عالم مميز تهيم فيه الروح غالبا في مدح خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى ثقافة عريقة قد تخدم السياحة بالمناطق الصحراوية وتعود على أهلها بالنفع الكبير.
هن محافظات على الذاكرة الشعبية والهوية والتراث اللامادي لمنطقة الساورة بالجنوب الغربي للبلاد، من خلال حفظهن وأدائهن لعدة طبوع فنية تشكل جانبا مهما من ثقافة مجتمعات هذه المنطقة الواسعة من البلاد، وكذا الإقبال المتزايد عليها من قبل السياح الوافدين إليها من داخل وخارج الوطن، طبوع فنية في حاجة إلى المزيد من الاهتمام والمراعاة من قبل القائمين على قطاعي الثقافة والسياحة وحتى البحث العلمي، كونها إرث قديم، متداول شفاهيا وفي أمس الحاجة إلى تصنيف وتدوين وأرشفة.
تعد طبوع القناوي والحضرة والديوان والفردة والجباريات والحيدوس من الألوان الفنية التي تصنع فلكلور منطقة الجنوب الغربي، شأنها شأن الإمزاد والتاندي بمنطقة الاهقار، وهي فنون، وآلات موسيقية قديمة وتقليدية، وعادات وألبسة وحلي في حاجة أن تقام لها مدارس لتعليمها للجيل الصاعد ولتشجيع المواهب الشابة، ومهرجانات دولية، قد تنعش السياحة الثقافية في البلاد، كما هو الحال في البلدان المجاورة وخاصة المغرب ومهرجان موازين العالمي.
إن الكثير قد أنجز اليوم في منطقة تمنراست للحفاظ على فن الامزاد وكل ما يدور حوله من ثقافة وتقاليد عريقة تمد جذورها في الماضي البعيد لمجتمع التوارق وكان وراء الفكرة امرأة، فريدة سلال التي استطاعت أن تزرع ديناميكية إيجابية لدى شباب وفناني وسكان المنطقة، حيت أصبح هذا الطابع الفني والتراثي يجلب الكثير من المهتمين بالصحراء وبما تزخر به من مناطق أثرية ساحرة تعود إلى حقبة ما قبل التاريخ، وثقافة وفنون وتقاليد عريقة، أصبحت معروفة عالميا. وفي المقابل، وفي منطقة الجنوب الغربي، تحاول امرأة أخرى، أن تنفض بدورها التراب عن طبوع وفنون وتراث عريق آخر، راودتها الفكرة مند سنوات واستطاعت أن تقنع 11 امرأة من القنادسة من بينهم «الفنانة الكبيرة حسنة البشارية» بتكوين فرقة نسوية تكون سفيرة الطبوع الفنية الست المذكورة أعلاه، وتحدي نوعا ما قبلية وعصبية المجتمع الصحراوي المحافظ للتعريف بمواهبهن في هذا المجال.
فكانت مبادرة الفنانة الشابة سعاد عسلة التي استطاعت في ظرف قياسي أن تكون فرقة اللمة البشارية، وتجمع 11 امرأة تتراوح أعمارهن بين 74 و 20 سنة تحت لواء الحفاظ على هذه الطبوع الفنية المعروف عنها في منطقة الساورة وخارجها أنها حكر على الرجال فقط، فكن سفيرات لهذا التراث القيم حملنه إلى العاصمة وإلى المغرب وقريبا إلى فرنسا من خلال الجولة الفنية المقررة شهر مارس القادم لتقديم وترويج الألبوم الأول للفرقة. وبعد أن ناضلن من أجل إصدار أول ألبوم الذي يحمل 12 أغنية في الطبوع الستة الحضرة والديوان والفردة والحيدوس والقناوي والجباريات، الذي يعد تحديا كبيرا للفرقة كون النسوة 11 لم يتسن لهن قبل ذلك التعامل مع أجواء الأستوديو وتقنيات التسجيل الحديثة هن يحاولنا اليوم تقول سعاد عسلة، «تحسيس السلطات الوصية حول «أهمية الحفاظ على هذا التراث، وخلق مدرسة له في بشار لاستيعاب ومساعدة كل المواهب الشبانية و للحفاظ على هذا الإرث من الزوال».
وأشارت عسلة في هذا السياق إلى ضرورة تدوين هذا الفلكلور والعمل على التعريف به داخل وخارج الوطن.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن السياحة التي تعرف انتعاشا كبيرا في السنوات الأخيرة بالمنطقة، تعتمد كثيرا على الفرق الموسيقية التقليدية المتخصصة في هذه الطبوع، فماذا لو يقام مهرجان سنوي لها، وتبقى في انتظار ذلك حسنة البشارية وسعاد عسلة والحاجة زازة وماني وفخيتة ومبروكة وغيرهن الرائدات المدافعات عن فنون الساورة وجانب من ثقافتها طالما بقي حبيس قصور الطوب العتيقة.