يطرح موضوع إشراك المثقف ومساهمته في صناعة القرار السياسي عديد الرؤى والأفكار المتنوعة، إلا أنها تتفق جميعها في أهمية أن يكون المثقف شريكا للسياسي ويساهم في صناعة القرار أيضا، ويراعي في ذلك جوانب متعدّدة أهمها أن المثقف يعد من النخبة التي من المهم الأخذ برأيها والاستفادة من خبراتها وأفكارها، ولازال يشكل إشراك هذه الفئة أحد المطالب المتكررة وفي مناسبات مختلفة.
وفي هذا السياق يعتقد الشاعر خالد شاهين قاسمي أن أساسيات صنع القرار تتطلب الأخذ برأي المثقف ووجهة نظره ذلك أن المثقف يعد من أكثر الأشخاص الحاملين لهم الأمة، كما أن لرؤيته تأثيرا في قلب المواقف وكذلك في الأخذ بالقرار، ومن دواعي حمل هم الأمة الصراعات بين الواقع المعاش والوعود المعلّقة، فنجد المجتمع يراوح مكانه بل يعيش على أمل تحقيق مطالبه، وإن كان من لزومية فهي لزومية المثقف بالكتابة شعرا أو نثرا تؤجّج فيهم نزعة التغيير وهذا لا يمكن للجانب السياسي أن يحققه لضعفه من الناحية الوجدانية الإبداعية.
ومن هنا ـ يضيف ذات المتحدث - أنه لا يمكن الفصل بين البعدين السياسي والثقافي في أداء مهمة صنع القرار والتي تعد مهمة تصب أساسا في صالح خدمة المجتمع والدولة، فالمثقف حسبه يحمل رسالة تستدعي ممارسته للسياسة كخطاب، وإنما يضفي عليه لمسة أدبية تحرك مشاعر المتلقي ويكون بذلك قد أوصل خطابا ذو طابع سياسي في قالب أدبي ربما يستبعده المتلقي لو جاء في صيغته السياسية ومصطلحاته المعهودة، حيث أنه إذا غاب الحس الإبداعي فقد تغلب النمطية وتتلف روح المجتمع والتي أساسها المثقف.
بالنسبة للشاعر شاهين قاسمي في إجابته عن مسألة تهميش المثقف أو ابتعاده عن دوائر صنع القرار وهل هو أمر نابع من إرادة فردية أم أن له امتدادات أخرى تتعلق بالشرعية والحزبية، يقول إنه في أغلب الأحيان يكون للطبقة المثقفة تأثير قوي في مجرى حياة أي مجتمع، ولهذا يتخذ أصحاب القرار السياسي بالدرجة الأهم خطوات تحد من غوص المثقف في بحر الفعل السياسي وأخذ القرار لما يعتبره هذا الأخير اندماج المثقف وصلته الوثيقة بجميع شرائح المجتمع، وبذلك تكون نسبة تأثيره أكبر في حركة المجتمع، مضيفا في نفس السياق أن تهميش دور المثقف وإبعاده عن دائرة صنع القرار يعد خطوة سلبية في اكتمال الحياة السياسية فقبل أن تتخذ الدول سفراء لها توجّب عليها جس حسّ المجتمعات الأخرى عن قرب من خلال ثقافاتها.
وأعتبر قاسمي أنه لا يمكن تجاوز هذا العائق ولن يستطيع أيّا كان القيام بهذا الدور سوى الإنتاج الثقافي بما يحمله من تراث أدبي وعادات وتقاليد، قائلا «ومن وجهة نظري، لم أعرف عن مثفف أخذ زاوية وانطوى على نفسه مطلّقا بذلك في كل اتصال مع العمل السياسي حزبيا كان أو حرا، بل بالعكس فجل المثقفين هم من كونوا الأحزاب وخاضوا الانتخابات وفازوا فيها من خلال ما تركوه من انطباع في مقالاتهم الفكرية».
وبذلك فإن محور مشاركة المثقف في اتخاذ القرار السياسي يبقى أحد المحاور المطروحة التي تبقى في حاجة إلى عناية أكبر نظرا لأهمية وتأثير هذه الفئة في المجتمع والتي رغم ما تعرفه من تراجع في دورها إلا أن إشراكها في صنع القرار والأخذ برأيها مع استيعاب تنوعه واختلاف مرجعياته من شأنه بناء قاعدة سياسية أكثر فعالية وأكثر تأثيرا على المدى البعيد.