من أبرز العلاقات المجتمعية التي تبقى الجدلية فيها قائمة خاصة في المجتمعات النامية، العلاقة بين المثقف والسياسي ومدى مشاركة الأول الثاني في صناعة القرار؟، وإذا كان مرد هذه الجدلية يعود الى أسباب عديدة فإن البحث عن الحلول وفق منهج التكافؤ والندية في الاشتراك في صياغة القرار يبقى الحل الأمثل للوصول الى التوافق الذي يدفع بالصيرورة المثلى للمجتمع من خلال إرادات صائبة تميزها الحكمة والاعتدال ومبنية على أسس علمية واضحة.
ويبقى السؤال المطروح دوما هل ابتعاد المثقف عن دوائر صنع القرار نابع من إرادة فردية وقناعاته الشخصية؟ أو أن هذا الابتعاد نابع عن تهميش مقصود تدخلت فيه بعض الإرادات الأخرى، حتى يتمّ إقصاء المثقف وإبعاده عن المشاركة اليومية في تحريك دواليب المؤسسات والنهوض بالمجتمع. لإثراء هذا الموضوع وإعطاء للقارئ فكرة عن هذه الإشكالية التي لازالت تفتح تساؤلات كثيرة وتحتاج إلى إجابة، طرحنا هذا السؤال على الأستاذ «محمد غرناوط» باحث وفنان تشكيلي.
قال الباحث في بداية تدخله: «.. في البداية حتى نثري هذا الموضوع، يجب أن نشخص أولا من هو هذا المثقف؟ وحسب تقديري فإن المثقف في المفهوم الاصطلاحي، هو ذلك المحرك الاجتماعي، الذي يملك القدرة التي تؤهله على تطوير أفكار المجتمع، ويساهم في تجاوز المشاكل التي تقف أمام تحقيق أفضل نظام اجتماعي، فالمثقف يملك قدرًا من الثقافة والنظرة الشمولية، التي تؤهله أن يكون رائد للآراء والأفكار، ولكي يكون أكثر مصداقيةً ينبغي أن يكون أشد التزامًا بالقيم، وأكثر تعهُّدًا بالمبادئ، فهو من يعرض حياته من أجل قضايا عادلة، يقف دائما كسد منيع لمختلف صور انحطاط المدينة، وعموما فإن المثقف نجده في مختلف مؤسسات المجتمع، من جامعي، كاتب، فنان، صحفي... «.
وفي ذات السياق، يضيف المتحدث «..أنه من أجل تأصيل الانتقال الديمقراطي والمساهمة في صناعة القرار إلى جانب السياسي، يمكن فتح المجال أمام المثقف لتقديم أفكاره خدمة للمجتمع. وكما يقول الرئيس الأمريكي الأسبق «أبراهام لنكولن»، في إحدى خطاباته قائلاً: «حكم الشعب بواسطة الشعب ومن أجل الشعب». فالمثقف له دور كبير في العمل على امتصاص التناقضات الكبرى وتخفيض درجة التوتّر، وتقديم البديل بالحل الناجع..
.. وعلى هذا الأساس وحسب رأيي الخاص أن تهميش، إقصاء، أوإبعاد المثقف عن دوائر صنع القرار لا يكون فقط نابع من إرادة فردية أو بشرعية حزبية بقدر ما يكون، أولا غياب المثقف النوعي، الذي يكون ايجابيا ولو في نظرته للمجتمع، ثانيا، عن عدم وجود آليات وقنوات التواصل بين السياسي والمثقف لتفعيل تبادل الآراء للتوصل إلى الحلول التي من شأنها ترقية وتعزيز مكانة المجتمع. هذا ما نجده مثلا في المجتمع المدني، هناك بعض الجمعيات التي تبادر في إيجاد الحلول لبعض المشاكل وهموم المواطنين لبناء مجتمع مدني متطور وواع، بفضل مبادرة الطبقة المثقفة المنخرطة بالجمعية.. ويؤكد من جهة أخرى قوله: «..إن توسيع دائرة المشاركة بتقبل الرأي والرأي الأخر وفسح المجال لدور أطياف المجتمع المدني كقناة تعبر عن الرأي الإيجابي في صنع القرار والذي من شانه المساهمة في إحداث نقلة نوعية وتقدم ملموس في النظام الديمقراطي..»
وفي خلاصة حديثه يقول «..إن المجتمع في حاجة ماسة لمن يجد حلولا لمشاكله، والمثقف ينتظر تأشيرة من السياسي لتحقيق أفكاره والاعتراف بمجهوداته، أما السياسي من واجبه إشراك المثقف قصد المساهمة في صناعة القرار. وبهذا نكون قد حققنا ظاهرة صحية جديرة بالتطور والارتقاء في صناعة القرار السياسي الرشيد».