يرى الدكتور سعدي قاسي أستاذ الترجمة والأدب بجامعة تيزي وزو أّنّ محاولة انتقال الأدب الأمازيغي من الشفهي إلى المكتوب، يعد المنعطف البارز في تاريخه، إذ لم يكن هذا العبور مجرد انتقال للموروث الشفهي إلى مرحلة الكتابة والتدوين، لما تستوجبه هذه التجربة من جدّية وحزم في زمن العولمة، الأخطبوط الذي يلف عنق الثقافة الشعبية أو التقليدية لبلدان العالم.
وعلى هذا الأساس سألته «الشعب» عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الأكاديمية في إحداث نقلة نوعية شاملة في برامج ومشاريع الإنتقال من الشفهي إلى المكتوب، في وقت يعرف فيه الأدب الأمازيغي مرحلة جديدة بعدما أصبحت الأمازيغية التي يستخدمها البربر لغةً رسمية في الجزائر بتاريخ 7 فبراير 2016، ولاقى مشروع إنشاء أكاديمية للغة الأمازيغية والتي كلف رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الحكومة بالإسراع في إعداد مشروع قانونها العضوي ترحيبا من المحافظة السامية للأمازيغية، بعد نضال لأكثر من نصف قرن.
ذكرالدكتور قاسي إن الآداب كما هو معروف هو فن، والإبداع الفني التي اتسمت به الحضارة الأمازيغية عبر العصور هو أولى وأسمى على مر التاريخ، وهو ما يفترض الوعي بدقة المرحلة وبأهمية الانتقال بالأدب من «الشفهية»إلى «الكتابة»، وانطلاقا من تأملي المتواضع أساهم ببعض المقترحات والملاحظات التي ينبغي أن تتبناها هذه المؤسسة الأكاديمية في منهاجها ، ضرورة جمع مفردات الأمازيغية كما هي في الواقع، أي كما نتحدّث بها في المجتمع الجزائري بصفة عامة، وخاصّة أن الأمازيغية متعدّدة اللجهات ولتنوعات اللغوية والثقافية خاصة.
إذ تصبح عملية جمع مفردات الأمازيغية من كل مناطق البلد الجزائري من أولى الأولويات، والكلمات متعدد من منطقة إلى أخرى بفروعها المتنوعة الشاوية، والقبايلية، والمزابية، والطارقية، بهدف وضع قاموس جامع يحتوي على الكلمات الأمازيغية الجزائرية بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني.
- جمع الآداب الشفاوية من أشعار وألغاز ونكت وحكم وأمثال وأساطير وقصص وممارسات روحية ودينية مرت على البشرية منذ أزمان غابرة، وكل ما ورثناه جيلا بعد جيل عبر الأمهات والجدات وشيوخ ذوي الحكمة، مثلا عندما نتحدث يوميا بالأمازيغية القبائلية نشير هكذا من آونة لأخرى إلى قصيدة قديمة أو حكمة أو مثلا شعبي من الأزمنة الغابرة.
- الاستفادة من وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأصنافها لتعليم هذه الثقافة
- عندما يكون لدينا موسوعة ثقافية أو مدوّنة من من الموروث الثقافي أو التراث الشعبي الشفوي، نتقدّم بخطوة أخرى نحو التحليل السوسيولوجي، الأنثروبولوجي، التاريخي، الأدبي، اللساني والنفساني لكل ما يوجد في ثقافاتنا كما هي في الواقع.
-يتعيّن على الأكاديمية التدخل في إعداد المناهج والمشاريع التربوية، بهدف تعليم هذا التراث وإدماجه في المدرسة الجزائرية، وتعميمه ليشمل كل أبناء الجزائر، سواء كانوا متحدثين بالأمازيغية بكل تنوعاتها أو باللغة العربية الجزائرية أو ما يسمى بالدارجة، واعتباره جزءا من نظام التعليم الرسمي الذي يبدأ في العادة من المرحلة الابتدائية وإلى غاية الجامعة.
- الاستفادة من وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأصنافها لتعليم هذه الثقافة عبر الجريدة والإذاعة والتلفزيون، حتى يتمكن الجزائري أن يفتح أبواب جديدة نحو أصالته وتاريخه العريق بمنظور آخر، لأنّ التكنولوجيات الحديثة تحدّث التراث العالمي، وواجب على الأكاديمية أن تستعمل بذكاء هذه الوسائل الجديدة التي طغت في العالم قصد الحفاظ على هذا التورث وتطويره.
كما أركّز ضمن هذا الإطار على عالم الكتابة عبر الوسائل الالكترونية وجهاز الكمبيوتر أو الحاسوب الذي تمكّن في ظرف قياسي من السيطرة على العالم بأخطبوطه الإعلامي الضخم، وهو آلة للكتابة قبل كل شيئ، ويجب علينا أن ننتقل من الشفوي إلى الكتابة بالحاسوب وليس فقط من الشفوي إلى الكتابي بمعنى التدوين.
مرت عملية تدوين الأدب الأمازيغي بمراحل عدّة، بدأت فعليا في ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﺜﺎﻤﻥ ﻋﺸﺭ ﺇﻟﻰ ﺒﺩﺍﻴﺎﺕ ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﻌﺸﺭﻴﻥ بعد أن كان مقصورا على المشافهة، ماهو تقييمكم لهذه المرحلة؟
صحيح أن الأدب الشعبي الأمازيغي عرف محاولات لتدوين نصوصه وتوثيقها قبل هذا العصر، حيث بدأ جمع المخطوطات الامازيغية في العصر الكلونيالي أولا من طرف جنرالات فرنسية، وكان المقصود من ذلك ليس حب أو تطوير الثقافة الأمازيغية بصفة عامة أو اللغة والثقافة واللغة القابائلية بصفة خاصة، بل المقصود من ذلك الحين هو التعرّف على هذه الثقافات قصد الاستعمار الكلي والتوغل إلى المجتمعات التقليدية القديمة آنذاك ومن ثمّ بدأت المجتمعات الأصلية تعلّم اللغة الفرنسية.
كما يمكن اعتبار سنوات الخمسين والستين والسبعين من القرن العشرين البداية الحقيقية لانطلاق هذه التجربة الجديدة في تاريخ الأدب الأمازيغي بالجزائر، إذ ظهرت لأول مرة مجموعة من الأعمال الإبداعية من مختلف أجناس الأدب الحديث، مثل العمل الذي قام به الكاتب الجزائري والأديب مولود فرعون ومولود معمري من خلال جمع التراث الشفوي القبائلي من أشعار وقصص وأمثال وحكم وغيرها من الأشكال الأخرى، وقاموا بتدوينها وترجمتها إلى اللغة الفرنسية، كما اقترحوا تحليلات أنثربولوجيا وأدبية لهذا التراث الشفوي، ضمن بيبليوغرافيا الأدب الأمازيغي.
وتبقى الفترة المعاصرة بمثابة «عصر تدوين» حقيقي ومنهجي للتراث الأمازيغي، لعدّة اعتبارات، تقتضيها الظروف الجديدة لهذ العصر، وتتجلّى أساسا في الإمكانيات البشرية والخبرات اللازمة من الدكاترة وحملة شهادة الماستر والليسانس في التخصصات المتعلقة باللسانيات الأمازيغية والأدب الأمازيغي وأنثربولوجيا عالم الأمازيغ، ناهيك عن التطور التكنولوجي والإمكانيات التقنية العالية بالإضافة إلى الإمكانيات المالية والمادية اللازمة للإنفاق على متطلبات الجمع والتحويل والتطوير، وذلك في إطار تجسيد مشروع أكاديمية اللغة الأمازيغية، إيذانا ببدء رؤية جديدة لهذا المكون الوطني الأصيل.