يرى الدكتور بوالسليو نبيل من جامعة 20 أوت 55 بسكيكدة، «ان الرؤية الايديولوجية لأي كاتب مهما حققت استقلاليتها فهي تخضع للمؤثرات التاريخية بصفة عامة، في ضوء التحولات الاجتماعية والسياسية التي مرت بها الجزائر مرحلة التسعينيات»، موضحا «ان رحلة البحث بدأت تتضح في الرواية الجزائرية عن خيارات أيديولوجية جديدة منذ الثمانينيات»، ولعل يضيف الدكتور «هذا البحث قد بدأ من قبل، لكن زخم التوجهات الاشتراكية التي كانت سائدة في السبعينيات قد ظلت موجهة للكتابة الروائية على مدار عقدين كاملين».
أضاف المحاضر» قد حتم هذا التحول على الكاتب طرح البدائل والتصورات، لكن ما يميز هذا الطرح انه ابتعد في الغالب عن كل ما هو يقيني، مما ادى لدى بعض الكتابات الى تشظي النص وانكساره على المستوى الفكري وكذا الفني»، ليعود المحاضر مؤكدا على «انه مهما اختلفت الرؤى وتعددت بحسب قناعات وتصورات كل كاتب ودرجة وعيه بالواقع، ولا شك ان طبيعة التحولات السياسية والاجتماعية التي ميزت مرحلة التسعينيات في الجزائر قد حتمت على الكاتب اتخاد موقف معين، قد يكون منسجما على المستوى الأيديولوجي مع توجهاته السابقة أو قد يكون معدلا بشكل من الاشكال، أو قد يكون متعارضا، فشيء طبيعي ان تؤدي سلسلة الانهيارات للمفاهيم التي كانت سائدة لمثل هذا الوضع الذي حتم على الكاتب ترميم قناعاته، او إعادة طرح السؤال من جديد».
هكذا يصرح الدكتور، «في حدود واقع متأزم عرفته مرحلة التسعينيات، حاول الروائي الجزائري تشكيل رؤيته الأيديولوجية وضبط مساراتها ليبني على أساسها عالمه الروائي، فتشكلت على مستوى النصوص تمظهرات عدة للرؤية الأيديولوجية بقدر ما عكست قناعات الكاتب، فقد كان للواقع دور في صياغتها، كالرؤية الاشتراكية، والرؤية الإنسانية، والرؤية النفسية، والرؤية الوجودية، والرؤية الدينية».
يستنتج المحاضر «بأن الرؤية الاشتراكية حاولت المحافظة على تماسكها واستمرارها، رغم الهزة التي تعرضت لها بفعل التحولات والظروف التي شابت هذه المرحلة والتي لم تكن تخدم هذا التوجه، مما أفقد هذه الرؤية الطابع التفاؤلي الاستشرافي التي كانت عليه في مراحل سابقة، وقد انطبع ذلك بشكل واضح في روايات، الطاهر وطار، وواسيني الاعرج، وعبد الحميد بن هدوقة والحبيب السائح».
يضيف بوالسليو «بأن تجليات الرؤية الانسانية بدأت تتشكل بكيفية او بأخرى في التسعينيات كتعبير عن سقوط اليقين الأيديولوجي، وكمحاولة لتقديم بديل انساني يستطيع ان يجمع كل التيارات والطوائف ضمن خانة واحدة، وقد يقضي على الصراع القائم لأسباب مصلحية أو طائفية أو دينية، في حين كانت الرؤية الوطنية منطلقا أساسيا لأغلب الروائيين الجزائريين في التسعينيات، باعتبار ان الوطن ظل الثابت الوحيد بالنسبة إليهم جميعا، خاصة وهو يتعرض لهزات بفعل عوامل داخلية ومؤامرات خارجية».
كما أشار المحاضر في مداخلته «بأن المرحلة دفعت بما شهدته من أزمات بعض الروائيين الى الانكفاء في حدود عوالمهم الذاتية وهواجسهم الخاصة، فعكست رواياتهم نوعا من الرؤية النفسية المغرقة في العقدي والجنسي، كما هو الحال في كتابات رشيد بوجدرة وفضيلة الفاروق، وان لم تخل هذه الرؤية ولو بشكل محدود من الانفتاح على الواقع، وقد انفرد الكاتب بشير مفتي في روايته « شاهد العتمة «بنوع من الرؤية الوجودية، وقد تميزت بأنها رؤية عدمية عبثية يطغى عليها الطابع السوداوي التشاؤمي، قد تكون وليدة مؤثرات ذاتية وموضوعية».
أما بالنسبة للرؤية الدينية فيوضح بوالسليو انها تجلت لدى الكاتب عيسى لحيلح في روايته «كراف الخطايا»، وهي رؤية وان كانت منطلقاتها تتبنى المرجعيات الإسلامية، كما قال في طرح منظورها، إلا انها عبرت عن مجمل التناقضات المحكومة بواقع اجتماعي متأزم.