يعتقد الدكتور والأستاذ بقسم اللغة والأدب العربي بجامعة قاصدي مرباح ورقلة عبد الحميد هيمة، أن أزمة ضعف الأعمال الأدبية يرتبط بعوامل عدة، إلا أن غياب لجان للقراءة على مستوى دور النشر يعد أحد أبرز الأسباب الأساسية التي تجعل الكثير من الكتب المنشورة ضعيفة وتكثر فيها الأخطاء المعرفية واللغوية، وتتحدّد أهمية هذه اللجان حسبه بالنظر إلى مهامها الضرورية في تقييم الكتاب، وتقدير ما يصلح للنشر مما لا يصلح.
بالنسبة للدكتور هيمة، فإن غياب لجان القراءة طرف هام في دعم وتكريس وضع الرداءة الذي يشهده واقع الإبداع الأدبي والفني والمعرفي، كما أن السبب الأساسي في ذلك يعود إلى أن معظم دور النشر لا تولي أهمية للجان القراءة لذلك لا تتوافر فيها، الأمر الذي أسهم حسبه في أن الكثير مما ينشر الآن هوفي الأصل غير صالح للنشر، خاصة وأن العديد من الكتب المنشورة ضعيفة وتكثر فيها الأخطاء المعرفية واللغوية.
ونوّه المتحدّث إلى دور المركز الوطني للكتاب، والذي أسسته وزارة الثقافة منذ سنوات ليضطلع بنشر الكتاب وتوزيعه، والذي من أهم نشاطاته أنه يضم لجانا متخصّصة للقراءة، تتكون من أكاديميين وباحثين مختصين في مختلف مجالات الكتابة، وهذه اللجان تعرض عليها الكتب التي تقدم لوزارة الثقافة لنشرها في إطار صندوق دعم الإبداع، لتقييمها والبحث في مدى صلاحيتها، مؤكدا أنه على الرغم من تعدد الآراء حول هذه اللجان إلا أنه لابد لنا أن نثمن عاليا وجودها، خاصة في وزارة الثقافة، للنظر في الكتب التي تطبع بأموال الشعب، لأنه كذلك من حق هذا الشعب أن تكون الكتب التي تطبع بأمواله كتبا جيدة، وتخدم ثقافته، وبذلك نقطع الطريق أمام نشر الكتابات الرديئة التي تجد تشجيعا لدى بعض دور النشر الخاصّة.
وأوضح الدكتور عبد الحميد هيمة أن بعض دور النشر الخاصة التي لا تعطي أهمية للرهانات العلمية والإبداعية تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية تفاقم الأزمة، لأن ما يهمها أكثر هوالربح المادي، أو الرهانات التجارية البحتة، على اعتبار أن دور النشر مؤسسات تجارية، ولذلك فلا تولي أهمية لمستوى ونوعية هذه الكتب، بقدر ما يهمها تحقيق الربح المادي، وهوما جعل سوق الكتاب اليوم مليئة بالأعمال الضعيفة خاصة في مجال الإبداع الأدبي والفني، بل إن بعض ما تنشره هذه الدور لا يعبر عن خصوصياتنا الثقافية، ولا يحترم قيم المجتمع الذي تتوجه إليه هذه الكتابات.
مضيفا: «لذلك أعتقد أنّه يجب على دور النشر أن يكون لديها الوعي الكافي بهذه الرهانات، فتشكّل لجان قراءة دائمة لمراقبة الأعمال التي تنشرها، مع أنني من جهة ثانية مع حرية الرأي والتفكير، وأرفض فرض القيود على الناشرين، لأن الإبداع لا يتطور ولا يرتقي إلا في أجواء الحرية والديمقراطية، ولكن هذه الحرية ليست مطلقة، وإنما لها ضوابطها وشروطها. وأنا شخصيا أعتقد أن الناشر المحترم والذي يحمل رسالة، لن يرض بأن يضع اسم داره على كتاب لا تتوفر فيه معايير الجودة والقيمة الفكرية، والإضافة المعرفية».
من جهة أخرى، أكد الأستاذ عبد الحميد هيمة أنه لقراءة موضوع ضعف الأعمال الأدبية لابد من الإشارة إلى أن القضية لا يتحملها طرف واحد وإنما أطراف عدة ويعد الكتاب أولها ومن ثمة النقاد، فبالنسبة للكتاب يقول - نفس المتحدث - يمكن ملاحظة تغير واضح في القيم الإبداعية بل انفلاتا، واضحا في هذا المجال وهو وضع دعمه تغير القيم والمعايير والأخلاقيات وظهور تقاليد جديدة أدت إلى انفلات مركز التوجيه وبروز أزمة قيم إبداعية، فبعض الأدباء يكتبون بلا أفق معرفي محدد، والنقد أكثره مجاملات، وجزء كبير منه يجتر الأدبيات القديمة التي تراكمت في الثمانينيات، والقارئ المسكين رهين الجلبة الإبداعية، وما تفرضه عليه من نصوص.
المسؤولية يتحمّلها المبدعون أيضا خاصة كتّاب الرّواية، المرضى بحمى النّشر
وهنا اعتبر المتحدث أنّ جزءاً من المسؤولية عن هذا الواقع يتحمّله المبدعون أيضا خاصة كتاب الرواية، الذين أصابتهم كما ذكر «حمى النشر» فنجدهم يسعون إلى مضاعفة عدد رواياتهم، حتى أن بعضهم أصبح يكتب رواية كل سنة، وذلك على حساب المستوى الفني والأدبي، لم تعد الرهانات الإبداعية تهمهم، فهم يكتبون أي شيء، المهم أن أعمالهم تباع في المعارض، ويقبل عليها الناس، وتترجم إلى اللغات الأجنبية، فيحققون الشهرة، ويصبحون نجوما كنجوم السينما، كما أن التهافت على الجوائز يعد من أسباب هذه الأزمة، فبعض الأدباء يقول أصبحوا يتسرعون في الكتابة، للمشاركة في الجوائز، لذلك كثرت الأخطاء بأنواعها المختلفة.
موضّحا أنّه أمام كثرة ما ينشر من أعمال أصبح النقد عاجزا عن مواكبة كل ما ينشر، وأصبح النقاد عاجزون عن تقييم مختلف التجارب الروائية، تقييما وتقويما جديا، فأغلب الدراسات إما هزيلة، وإما مستعجلة، مما يجعلها غير قادرة على تطوير هذه التجارب، فضلا عن أن الملتقيات أصبحت عبارة عن نسخ متكررة في موضوعاتها ومحاورها، والنقاد انطباعيون.