في نوفمبر من سنة 1994، أصدرت اليونسكو بيانا بشأن المكتبات العامة، مثّل الطبعة الأخيرة من بيان 1949 الذي راجعته المنظمة سنة 1973. في هذا البيان، الذي أعدّ بالتّعاون مع الاتحاد الدولي لرابطات المكتبات وأمناء المكتبات، اعتبرت اليونسكو المكتبة العامة بأنّها «مركز المعلومات المحلي الذي يضع كل أنواع المعارف والمعلومات مباشرة في متناول المنتفعين بها».
اليونسكو: المكتبة العامة تجسيد لتكافؤ الفرص
وأكّدت المنظّمة الدولية أنّ المكتبة العامة تقدّم «خدماتها على أساس تكافؤ فرص الجميع في الانتفاع بها، بصرف النظر عن السن والعنصر والجنس والدين والانتماء القومي واللغة والوضع الاجتماعي». ومن أجل تحقيق تكافؤ الفرص هذا، فإن على المكتبة العامة أن «توفر خدمات ومواد خاصة لجميع المنتفعين الذين لا يستطيعون، لأي سبب كان، الاستفادة من الخدمات والمواد العادية، كالأقليات اللغوية والمعوقين ونزلاء المستشفيات أو السجون». كما أصرّت المنظمة على أهمية أن توظف المكتبة العامة التكنولوجيات الحديثة.
وتلخّص اليونسكو مهام المكتبة العامة في 12 مهمة، نذكر منها «غرس عادات القراءة وترسيخها لدى الأطفال»، و»دعم التعليم الفردي والذاتي والتعليم النظامي على كافة المستويات»، و»توفير فرص للتطور الشخصي المبدع»، إلى جانب تحفيز الخيال والإبداع وتشجيع الوعي بالتراث الثقافي وتذوق الفنون، وتشجيع التنوع الثقافي ودعم التراث الشفهي، وتوفير الدعم لبرامج محو الأمية وتنمية المهارات في مجال المعلوماتية.
ولم تتوقّف المنظمة الدولية عند تحديد مهام المكتبة العامة، بل تطرّقت أيضا إلى مسائل التمويل والتشريع والشبكات، وفي هذا الصدد تشير إلى أن المكتبة العامة «تقدّم خدماتها مجانا من حيث المبدأ». كما تطرّق إلى تشغيل المكتبة العامة وإدارتها، حيث دعت إلى ضرورة «رسم سياسة واضحة تحدد الأهداف والأولويات والخدمات بما يتفق مع احتياجات المجتمع المحلي»، وأن «تقام مباني المكتبة في موقع مناسب»، مع «توفير خدمات إضافية من أجل الذين لا يستطيعون التردد على المكتبة».
ضرورة الرّقمنة والعمل على جلب المنخرطين
قبل سنة من اليوم، وبالضبط في منتصف أكتوبر 2016، التقى وزير الثقافة عز الدين ميهوبي مديري المسارح والمكتبات العمومية عبر الوطن. كان وزير السياحة الحالي، الدكتور حسان مرموري، ما يزال يشغل منصب مدير دائرة الكتاب والمطالعة العمومية بوزارة الثقافة، وقدّم حينها عرضا بالأرقام عن شبكة المكتبات وتسييرها.
تحدّث مرموري حينذاك عن وجود 634 مكتبة من ضمنها 42 مكتبة رئيسية و6 مكتبات في طريق الإنجاز بالست ولايات المتبقية. ويوجد 144 مكتبة ملحقة، و182 مكتبة غير منشأة و266 مكتبة عمومية في طريق الإنجاز. كما تحدّث عن 1541 مكتبة منجزة في إطار الصندوق المشترك مع الجماعات المحلية.
وقدّم مرموري مجموعة من الملاحظات، منها أن عملية إنجاز بعض المكتبات عرفت نقائص على غرار المقاييس المتعلقة بطاقات استيعابها أو تسييرها فيما بعد. كما أنّ معدل المناصب المالية المخصصة 7886 مستخدم على الأقل على المستوى الوطني، أي هناك نقص كبير نتج عنه عدم القدرة على تلبية الحاجات. أما الرصيد الوثائقي بمجموع المكتبات فتعدى 440 ألف عنوان ويقترب من مليوني نسخة على المستوى الوطني، ويتشكّل من هبات الوزارة وميزانية التجهيز، وميزانية التسيير (بين 4 إلى 6 مليون دج لكل مكتبة سنويا). ولاحظ مرموري أنّ العناوين المقترحة عادة ما تكون متخصّصة وجامعية، وهو ما لا يتوافق مع الرصيد الوثائقي للمكتبات العمومية.
وبالنسبة لعدد المنخرطين، فقد بلغ حوالي 70 ألف منخرط وطنيا بمعدل يتعدى بقليل 280 منخرط بكل مكتبة، وهو معدل منخفض من مسبباته ضعف عملية الاتصال. من جهة أخرى، فإن الملتقيات التي تحتضنها المكتبات فتكون المواضيع فيها متشابهة في أحيان، إلى جانب نقص الإعلام والإشهار حتى في حالة النشاطات ذات الجودة.
وأشار مرموري إلى استهلاك ميزانية معتبرة بالنظر للنتائج والمردودية، واقترح تبنّي استراتيجية فعّالة لجلب القراء والمنخرطين، ورقمنة الوثائق والاعتماد على وسائط الاتصال الحديث، وخلق وتنويع مصادر التمويل وعدم الاقتصار على ميزانية الدولة.
واعتمادا على ما سبق، يمكن اعتماد هذه الملاحظات لترقية دور المكتبات العامة، بما يتماشى مع توصيات اليونسكو والمعايير العالمية، سواء بقيت تحت وصاية المجالس المحلية (البلديات) أو انتقلت إلى وصاية وزارة الثقافة، لأنّ الهدف في الأخير هو خدمة القارئ أينما كان.