أين حصة الثقافة في الخطاب السياسي الذي انتهجه المترشحون طوال فترة الحملة تأهّبا منهم للانتخابات المحلية، ومحاولة استدراج اهتمام وأصوات الناخبين يوم الاقتراع؟ فهل تطرق حقا هؤلاء للثّقافة؟ وهل حضرت حقا هذه الأخيرة بكل مفاهيمها وجوانبها التي تشمل كل ما يحتاجه المواطن المحلي من فن، مسرح، إصدارات، سينما، لقاءات، ندوات نقاش، أدب و تراث مادي أو لا مادي، في الخطابات التي كانت في مجملها خطابات وطنية حاول أصحابها إسقاطها على الأوضاع المحلية؟
«قطعا لا»، يقول أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر الإعلامي والكاتب عمار عبد الرحمان، الذي يعتبر من أكثر المتتبعين للأحداث السياسية الوطنية، في إجابته عن الأسئلة المذكورة أعلاه، مشيرا إلى أنّه «تقريبا كل الأحزاب السياسية تحدّثت عن الثقافة وكل الأحزاب لم يتحدّثوا عنها».
وليس ما أفصح به عمار عبد الرحمان بالمعضلة، بل هو واقع لمسه يقول: «كل من تابع الحملة الانتخابية عن كثب يسجّل أنّ المتدخّلين قد تطرّقوا إلى الثقافة من باب التقليد الروتيني، ولم يتطرّقوا إلى أدنى مفهوم من مفاهيمها الواسعة بما يتماشى ورغبة المواطن المحلي».
وفي ذات السياق، أضاف قائلا: «أنّ المترشّحين فقد حصروا المفاهيم الثقافية بأبعاد كلاسيكية، ولم يتطرّقوا للثقافة التي يريدها المواطن داخل بلديته، والتي تعكس اهتماماته الخاصة، والبعض حاصرها في المكتبات والبعض الآخر في قاعات الأفراح. والغريب في الأمر أنّه الكثير من الأحزاب السياسية تطرّقت للثقافة بأبعاد وطنية، وأهملت بذلك الجوانب المحلية متناسية على سبيل المثال أن التكلم على الثقافة بشكل واسع على المدينة لا يمكن إسقاطه على القرى والمداشر، وبالتالي لم تأخذ هذه التشكيلات السياسية ولا ممثليها بعين الاعتبار الجوانب الجغرافية في الحديث عن الثقافة، ولا عدم تكافئ الفرص بين المدن الكبرى والصغرى والقرى والمداشر من جانب الوسائل والتجهيزات على سبيل المثال.
وعن حصر الأحزاب السياسية والمترشّحين في خطاباتهم لمفهوم الثقافة من الناحية الكلاسيكية، أشار عبد الرحمان على سبيل المثال، أن كل رئيس أو ممثل حزب يزور أيّة منطقة، يكتفي مع أهلها بالاتصال من خلال اللباس أي يلبس لباسهم، ويتحدث عن التقاليد أو العادات التي تميزهم.
فمازال هؤلاء - أضاف قائلا - لحد اليوم حين يحلون ببلاد القبائل يتحدثون فقط عن الأكلات واللباس القبائلي والرقص والغناء والتقاليد، وكأنّ ثقافة هذه المناطق تقتصر فقط على الأكل والرقص، ونستنتج من كلامهم أنّهم لا يعرفون أبعاد الثقافة الحقيقية لسكان هذه المناطق، كما أنّهم يجهلون تماما أنّ للثقافة 5555 تعريفا، فأين هم من المفهوم الحقيقي لها في التحدث عنها في خطاباتهم السياسية؟».
تهميش النّخبة من أسباب غياب الثّقافة
وفي سياق آخر، وفي ردّه على السّؤال المتعلّق هل غياب الثقافة في الخطاب السياسي راجع إلى غياب النخبة المثقفة من قوائم الترشيحات؟ أجاب د - عمار عبد الرحمان قائلا: «إنّ تغييب وغياب المثقّف من قوائم الترشيحات للانتخابات المحلية القادمة، له انعكاس مباشر على افتقار البرامج والخطابات السياسية إلى النقاط الثقافية»، مشيرا بالمناسبة، «إلى أن انعدام أسماء المثقفين عن قوائم الانتخابات المحلية لأول مرة في تاريخ الجزائر هو ناتج عن تغيبهم بصفة رسمية، فوزير التعليم العالي والبحث العلمي قد أصدر قرارا يمنع دخول الأساتذة والدكاترة الجامعين المعترك الانتخابي، وكذالك جاءت قرارات مماثلة لوزيرة التربية الوطنية بعدم السماح للمعلمين بالمشاركة، حتى لا يتأثر التلاميذ بغيابهم».
فلا يمكن، حسب عمار «أن نتحدّث عن الثّقافة المحلية في غياب المثقّف، ولا نقدر أن نتكلّم عن المحليات والمثقّف مهمّش نفسه، ونكتفي بتلقي مجرد اجتهادات شخصية وجزئية أو شخصية، تعتبر الفانتازية واللباس والأكلة التقليدية والرقص والغناء هي كل الثقافة».