السقوط في فخّ تراجع المقروئية
أكّد الباحث في التاريخ وشؤون الاعلام عمامرة ميلود على أنّ الكتاب التاريخي المرتبط بالحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر شهد رواجا كبيرا في السوق ودعما قويا من عدّة جهات خلال السنوات الأخيرة، إلا أنّ تراجع ظاهرة المقروئية التي شملت مختلف أنواع الكتب حال دون تحقيق الوثبة المطلوبة.
وقال الباحث عمامرة ميلود في هذا الشأن بأنّ المطابع أعطت أولوية خاصة للكتاب التاريخي المرتبط بالحركة الوطنية والثورة التحريرية خلال السنوات الأخيرة بالتوازي مع تسجيل إقبال متواصل عليه، سواء تعلّق الأمر بالمكتبات أوالمعارض كما شهدت العشرية الأخيرة صحوة ملحوظة في مجال ترجمة الكتاب التاريخي من عدّة لغات أجنبية إلى اللغة العربية وظهرت في الواقع عدّة دراسات متخصصة بمختلف الدول العربية تعنى بالحركة الوطنية وثورة التحرير تمّ جلبها للجزائر، كما أنّ العديد من المتخرجين من مستوى الماستر والدكتوراه في معاهد التاريخ كثيرا ما يتمّ توجيههم لإجراء دراسات خاصة بالحركة الوطنية ومكانة الثورة الجزائرية في تحرير إفريقيا، مما يساهم ولو جزئيا في إثراء المكتبة الوطنية بهذا النمط من الكتب والدراسات المتخصصة.
غير أنّ هذه الصحوة التي برزت للوجود منذ بداية الألفية الثالثة من التاريخ الميلادي وبلغ صداها مجمل ومختلف المكتبات العمومية والخاصة التي ساهمت عن قرب في جلب وتسويق الكتاب التاريخي
اصطدمت على أرض الواقع بتراجع مؤشر المقروئية الذي لم يستثن مجمل الكتب الأخرى بفعل تداخل عدّة عوامل منطقية فرضتها التطورات الحاصلة في النمط المعيشي للمواطن، ومن بين أهم العوامل المؤثّرة على المقروئية بشكل مباشر قضية ارتفاع أسعار الكتب بشكل جنوني ولا يطاق في العديد من الحالات بحيث أشار الباحث عمامرة الى أنّ كتابا من الحجم الصغير من 100 أو120 صفحة يصدره ديوان المطبوعات الجامعية العمومي يتمّ تسويقه بسعر لا يقل عن 500 دج، الأمر الذي لا تطيقه جلّ فئات المجتمع. كما ساهمت تطور وسائل الاعلام والوسائل التكنولوجية في اختصار كتب بأكملها في صفحات قلائل يسهل تناول محتواها دون بذل جهود كبيرة، لاسيما من طرف فئة الطلبة الذين لا يدركون احيانا بأنّ النص يفقد قيمته المرجعية والعلمية حينما لا يذكر صاحبه وتاريخ طبعه بمعية المطبعة التي أخرجته، أضف الى ذلك إحجام العديد من المثقفين عن قراءة الدراسات والأبحاث الجادة بحجة عدم توفر الفترات الزمنية الكفيلة بذلك وأصبحت ظاهرة قراءة الكتب بذلك أشبه ما تكون بتناول وجبات الفاست فود لا غير بعيدا عن التأني والتأمل والتدقيق. وتبقى الظروف الاجتماعية القاهرة التي تعيشها بعض الفئات مبررات قد تكون معقولة نسبيا عن هجران المقروئية مع الاشارة الى كون المتخرجين من الجامعات العربية بملاحظات جيّدة تطبع اعمالهم وتوزع على المكتبات على عكس ماهو معمول به بالجزائر وقد يقف هذا الأمر وراء عدم اكتراث الطلبة بالبحوث الجادة المنجزة في مجال التاريخ.
استرجع عافيته ورواجه منذ بداية الألفية
ويرى الباحث ميلود عمامرة أيضا بأنّ الكتاب التاريخي استرجع عافيته ورواجه منذ بداية الألفية عقب فترة ركود دامت عقدين من الزمن تربّع خلالها الكتاب الديني على عرش المقروئية في الجزائر منذ بداية الثمانينات وإلى غاية بداية الألفية، فيما شهدت فترة ما بعد الاستقلال رواجا ملحوظا للكتاب التاريخي لاسيما وأنّ تلك الفترة فتحت للمؤرخين والمجاهدين شهية الكتابة عما حدث خلال الثورة على وجه الخصوص، أمّا خلال السنوات الأخيرة فقد برزت إلى الوجود عدّة كتب تاريخية بأوجه وأنماط متمايزة بما في ذلك الروايات التاريخية التي تمّ اللجوء إليها لإثراء وانعاش سوق الكتاب التاريخي، بحيث ساهمت عدّة جهات ومؤسسات رسمية في الترويج له بطرق مختلفة من بينها توزيعه كجوائز تشجيعية للمتفوقين في المسابقات المقامة ما بين المتوسطات والابتدائيات وكذا ما بين الثانويات كما تلجأ العديد من المؤسسات التربوية على اختلاف مستوياتها في الترويج للكتاب التاريخي دون غيره في عملية مكافأة المتفوقين بالفصول الدراسية الثلاث، ناهيك عن إقدام كل من وزارة الثقافة ووزارة المجاهدين على طبع عدد لا يستهان به من الكتب التاريخية على هامش التظاهرات الثقافية المقامة ببلادنا بالتنسيق مع العالمين العربي والاسلامي ولا يزال الجهد متواصلا لتمكين الكتاب التاريخي من التموقع ضمن الرواق الأمثل بالمكتبات العمومية والخاصة، ويحظى بذلك بحصة الأسد في المقروئية والاهتمام من طرف القراء.