تفعيل دور الكتاب المحلي في الترويج لصورة الجزائر
اعتبرت الكاتبة والروائية إلهام مزيود أن الجزائر قطعة فسيفساء ضخمة تختلف العادات والتقاليد فيها من منطقة إلى أخرى بطرق ثرية ومتنوعة وبالتالي فالكاتب عنها في حاجة إلى نقل صورتها باحترافية حتى يتسنى للقارئ الوقوف على شرفة الوطن بسهولة أكثر وبدهشة أكبر، وإذا نجح الكاتب في إيصال مادته إلى أبعد من قطر وطنه ونيل شهرة واسعة، فإن هذا يعد إنجازا للوطن بالدرجة الأولى باعتبار ثقافة هذا البلد ستكون معروفة لدى الآخرين، حتى أن هناك من سيسعى للبحث والتقصي من أجل ولوج خبايا المجتمع الذي انحدرت منه تلك الكتابات.
وفي حديثها عن دور الكتاب المحلي في الترويج للجزائر، أوضحت أنه إذا تطرقنا إلى من كتب للجزائر فإننا نجد كتابات رشيد بوجدرة، آسيا جبار، مولود فرعون، محمد ديب وغيرهم قد مكّنت القارئ باللغة الفرنسية من سبر بعض أغوار المجتمع الجزائري، كذلك مثّل الكاتبين واسيني الأعرج وأحلام مستغانمي من خلال أعمالهما بوابة للقارئ العربي على الجزائر بحق، كونهما استطاعا الوصول إليه باحترافية كبيرة سواء من خلال دقة الوصف أو السرد للتفاصيل الثرية والزاخرة جدا مع اختلاف شخوص مميزة، وفي هذا الصدد قالت مزيود «أذكر جيدا أنني أرسلت في السابق صورة من مدينة قسنطينة لصديقة عراقية فأجابت على الفور أن محتوى الصورة هو جسر من قسنطينة وأنه يبدو تماما كما وصفته الكاتبة أحلام مستغانمي».
أنا كقارئة جزائرية - تضيف نفس المتحدثة - أحببت الشام، حارات الشام، مآذن وكنائس وياسمين الشام من خلال ما قرأت من أشعار «نزار قباني» وتعمقت أكثر في خبايا المجتمع الإيراني والتمخضات التي مرّ بها خلال حكم الشاه أو بعد الثورة الإسلامية وقيام حكم الخميني وكان ذلك من خلال كتابات ناهيد رشلان، المجتمع الأفغاني بكل آلامه ومآسيه وما خطه خالد الحسيني خاصة في رائعته ألف شمس مشرقة، المجتمع العراقي وحال الأقليات فيه، إضافة إلى الصراعات العرقية والطائفية مع سنان أنطوان وأنعام كه جي، الجرح الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي وقضايا التطهير العرقي، الهجرة والمخيمات التي كانت في روايات إبراهيم نصر الله دون أن أنسى الرواية الأكثر من مؤلمة ورائعة «بينما ينام العالم» للكاتبة سوزان أبو الهوا، وهذه حسبها مجرد أمثلة لما يمكن للكاتب أن يمُدَّ من جسور من خلال كلماته ونصوصه.
بالنسبة للكاتبة إلهام مزيود صورة الجزائر لا يمكن حصرها في لون واحد، كالرواية مثلا، كل الكتب التي تكتب بطريقة ذكية وغير مبتذلة هي إضافة جميلة لرصيد الوطن، سواء الرواية، القصص، الكتاب التاريخي أو غيرها، جميعها تصبّ في نفس النبع، تقول المتحدثة لو تصفحنا كتاب «عرائس بربروس، مجاهدات على قيد الخلود» للكاتبة نجود علي قلوجي والذي تتطرّق فيه إلى سيرة بطلات ثورة التحرير الوطني وصمود المرأة الجزائرية أمام آلة الدمار نجد أن الكاتبة، أحيت تاريخ الجزائر وعرجت على أحداث مهمة كثيرة من خلال كتابها الثري، هناك أيضا كتاب «جرائم فرنسا في الجزائر وجهاد المرأة الريفية» لعائشة ليتيم التي تنقل البيئة الريفية وما جرى على أرضها باحترافية كبيرة وبأسلوب مميز، استطاعت أن ترصد من خلاله عدة صور لجزائر ما قبل الاستقلال، وهو إضافة ثرية لتاريخ الجزائر بصفة عامة، للمرأة والريف بصفة خاصة.
وفي إجابتها عن الآليات التي تراها مناسبة لتفعيل دور الكتاب المحلي في الترويج لصورة الجزائر في الخارج تقول إلهام مزيود أن الكاتب ليس مجبرا على التقيد بمعايير محددة لإبراز صورة ما، كل ما عليه فعله هو الكتابة أو الغوص في تفاصيل مجتمعه وإعادة بلورتها بطريقة تجعل دهشة القارئ تشتد عبر نصوصه الإبداعية وهو يتنقل به إلى بيئته من منطلق رؤيته وأفكاره الخاصة، لكن يعتبر هذا الشقّ من المهمة لا شيء إن لم تكن هناك دور نشر فعالة، تهتم بالكاتب والكتاب من خلال تقديم نصوصه للقارئ بطريقة محترمة، خاصة وأن العديد من دور النشر التي ظهرت مهمتها لا تتعدى الطباعة حتى أن الكاتب في الجزائر قد ينشر كتابه غير أنه من المحتمل أن لا يصل إلى الولاية التي يقطنها فما بالك ببقية الولايات، في حين نجد كتبا متوفرة وفي ولايات عدة لدور نشر لبنانية ومصرية وحتى فرنسية، لذلك في الجزائر هناك كتّاب كثيرون يولدون، ثم يضمحلون ويموتون قبل أن يسلط عليهم ضوء ولو خافت.