صاحب ملحمة «ذاكرة لا تنسى» الفنان فؤاد روايسية لـ «الشعب»:

الأغنية الثّورية الوجه الآخر للمقاومة الشّعبية

أجرى الحوار سوق اهراس: صحراوي ــ ح

حماس يلقى في صدور الرّجال اعتزازا وافتخارا
وعاء ثقافي يؤرّخ لمعالم تاريخية ارتبطت بالعمل الثّوري
«فنتــــازيا لشحذ همم الرّجــال»

عرفت الجهة الشرقية إبان الثورة التحريرية العديد من الأسماء الفنية التي لمعت في سماء الأغنية الثورية ذات الطابع البدوي خاصة، نذكر منهم الحاج بورقعة، عيشة الخنشة، وعيسى الجرموني وغيرهم...بأغاني وكلمات تردّدت آنذاك على أفواه الجزائريين في العديد من المناسبات، وأعيدت كتابة كلماتها وألحانها وأدائها، إلى يومنا هذا من طرف العديد من الفنانين.
أردنا أن نعرف حدود الأغنية الثورية في ذهن فناني اليوم من أبناء الاستقلال، هل مازال صداها يتردد على الإسماع، أم طواها النسيان واندثرت كلماتها؟ وهل هناك جهات مختصة تسهر على متابعة التراث الغنائي الثوري؟
 كل هاته الأسئلة تناولناها مع الفنان فؤاد مرايسية واحد من أبرز فناني ولاية سوق أهراس، وممّن يهتم بالعروض المسرحية الثورية آخرها إخراج ملحمة «ذاكرة لا تنسى» الثورية المرتبة الاولى وطنيا، والتي نالت العديد من الجوائز المحلية والوطنية والدولية، فكان لنا معه هذا الحوار الشيق.
❊ الشعب: ما هي مكانة الأغنية الثّورية في أعمالك الفنية؟
❊❊ فؤاد روايسية: شكرا على هاته الفرصة من طرف جريدة «الشعب» العريقة، فعلا الأغنية الثورية هي وعاء يشمل أغلب الفنون المحلية يؤرخ لمرحلة حاسمة من تاريخ الجزائر، مرحلة امتزجت فيها العديد من المشاعر الوطنية بين الحب والانتقام من المستعمر، والحماسة وتعميق الانتماء إلى الأرض والوطن، هي مرحلة تناقلتها حناجر الفنانين البدويين خاصة، بحماس فياض ومشاعر جيّاشة تدفع بالرجال الى ساحات المعارك، وتصنع منهم أبطالا فعليّين. الأغنية الثورية إن صح التعبير كانت وقودا في صدور الجزائريين إبان الثورة التحريرية، ما ينفذ من بطولات على أرض الواقع تراه في حناجر الشعراء والفنانين غناء وأهازيج بحماس كبير تجعل من الغنائم نصرا باهرا، وتصنع من الهزائم عزائم صلبة عجزت الآلة الاستعمارية عن كسرها آنذاك، وهذا كله صنع من الشعب الجزائري لحمة واحدة، ورسم تاريخا ناصعا بوعاء ثقافي تراثي أخذت الأغنية الثورية فيه حصة الاسد.
كفنان جزائري أعتز بالأغنية الثورية، بل أحنّ إلى الأعمال الثورية وأراها أصدق من باقي الأعمال الفنية الأخرى، كما أجد نفسي كمخرج تلقائيا أكتسب شحنة دفع زائدة عندما أتناول الأعمال الثورية عن باقي الأعمال الفنية الأخرى التي أنجزها، هو الإحساس النبيل بالوطنية الذي يسري في عروق أبناء هاته الارض، أبناء الأسر الثورية، فنحن نعدّد من خلال هاته الأعمال تضحيات الأباء والأجداد كجزء بسيط من رد الجميل الذي نعيش في ظلاله اليوم سماء الحرية والاستقلال.
❊ هل مازالت تمثّل ذلك المرجع التاّريخي الذي يؤسّس لمجتمعنا أم هي تراث فني طواه النّسيان؟
❊❊ الأغنية الثورية وبخاصة الأغنية البدوية هنا في ولاية سوق أهراس التي تعتمد على الآلات الموسيقية التقليدية أبرزها القصبة والبندير والزرنة، مازالت تعيش بين أحضان مجتمعنا، وإن كان بشيء من التجديد، من خلال الاصوات الشبانية التي أعادت الايقاعات الموسيقية وأعادت بعض الكلمات، لكن من الناحية الوجودية لا يمكن أن نجزم باندثار هذا الطابع الغنائي، لأن حاجة المجتمع اإلى هاته الأيقونة الفنية لا يمكن إهمالها، فالاغنية الثورية ذات الرمز البدوي تمثل الرجولة والفحولة وكذا استعراضاتها الفلكلورية هي جزءا مهما من الذاكرة الوطنية، أو ما يعرف بالثقافة الشعبية. والملاحظ في مناسباتنا اليومية مثل الاعراس والاحتفالات، نجد حضور هاته الثقافة الشعبية بقوة، وعودتها من الباب الواسع، من خلال استعراضات الخيل والبارود وكذا إيقاعات القصبة والبندير والزرنة، وهاته كلها من صميم الأغنية الثورية التي استمدّت من الحقبة التاريخية للشعب الجزائري إبان الثورة التحريرية.
 نحن في حاجة إلى التّجديد فيما يرتبط بالأغنية الثّورية
❊ حضور الأغنية الثّورية هل تراه كافيا على مستوى وسائل الإعلام والمؤسّسات الفنية والثّقافية؟
❊❊ فعلا هناك حضور محتشم، كذلك الاهتمام بهذا الطابع الفني تراجع نوعا ما بتقدّم المجتمع، وهاته بطبيعة الحال نتيجة طبيعية لكن يجب نحن كفنانين أن نعيد الاعتبار لهذا الطابع الغنائي، بل أن نبحث في تراثنا الفني ونعيد بعثه من جديد، خاصة على مستوى وسائل الاعلام. وأخص بالذكر الإذاعات المحلية التي لها مسؤولية كبيرة في الإحتفاء بالتراث المحلي، وهذا يجب أن يكون بمعية دور الثقافة والمؤسسات الفنية المحلية والوطنية، وكذلك إشراك المؤسسات العلمية والأكاديمية خاصة تخصصات الأدب العربي فيما يعرف بتخصص الأدب الشعبي. وهنا في سوق أهراس لنا تجربة مع الدكتور جلال خشاب بجامعة محمد الشريف مساعدية، هذا الأخير الذي ينشط العديد من الحصص فيما يتعلق بالأدب الشعبي، وهي تجربة رائعة نعتز بها كجزائريين وكسوق أهراسيين لأنها تكشف القناع عن حقبة تاريخية مجيدة من تاريخنا الوطني وتاريخ آبائنا وأجدادانا.
أيضا يجب أن نبتعد على المناسباتية في تناول وجود وحجم الأغنية الثورية في المجتمع، فالأغنية الثورية أكبر من أن نهجرها طيلة العام ولا نتذكرها إلا والمناسبات التاريخية أين نعيد مراجعة تراثنا الفني في مجال زمني نهمل معه العديد من العناصر المهمة والسياقات الرئيسية التي كانت تحيط بالاداء الفني آنذاك، وهذا القصور المادي يبقى ملازما لنا دون الانتفاع بتراثنا الفني التاريخي.
❊ ماذا تقترح للذّهاب بعيدا في إعادة بريق الأغنية الثّورية؟
❊❊ يجب أن نكون صادقين في كل ما يرتبط بالوطنية وقيم الوطنية وترسيخ هذا الشعور لدى المواطن الجزائري، لأنها ببساطة الأغنية الثورية هي مرآة عاكسة لما نعيشه في مجتمعنا الجزائري، وهذا يجب أن نتناوله بصدق مع تاريخنا ومع تراثنا.
تعميق أيضا البحوث فيما يخص الإهتمام بالأغنية الوطنية وخاصة التراث الثقافي المحلي والوطني، وهو جزء من الهوية الوطنية نرجو أن تحضى مختلف الفنون التراثية بالالتفاتة البحثية الصادقة، وهي جزء من القيم الاجتماعية والموروث الوطني، وتساهم بقوة في تدعيم الذاكرة الوطنية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024