القاصة غزلان هاشمي لـ «الشعب»:

المدينة في النص الأدبي المعاصر تمثّل مظهرا من مظاهر الاغتراب والعزلة

حاورتها: هدى بوعطيح

المتعة الجمالية تتحقّق لدى القارئ حال استشعاره روح المكان

ترى القاصة غزلان هاشمي وأستاذة النقد الجزائري ومناهج نقدية معاصرة بجامعة محمد الشريف مساعدية بسوق أهراس، بأن حضور المدينة له أثر عميق في الوعي الشعري والروائي، مشيرة في حوار مع «الشعب» أن المتعة الجمالية تتحقق لدى القارئ حال استشعاره روح المكان وهويته التركيبية وتناقضاته.
واعتبرت غزلان هاشمي صورة المدينة في الذاكرة النصية الجزائرية باهتة ومرتبكة وغامضة تغيب عنها الملامح، وقالت بأن المدينة في النص الأدبي المعاصر تمثل مظهرا من مظاهر الاغتراب والعزلة والشعور بالعدمية، وذلك لتشابك العلاقات الموجودة فيها وتعقدها وهشاشتها من جهة وافتقادها للملامح الهوياتية من جهة أخرى.

❊ الشعب: إلى أي مدى يتجلّى استخدام المبدع للمدينة، في كتاباته سواء الروائية أو الشعرية أو غيرها؟
❊❊ غزلان هاشمي: حضور المدينة له أثر عميق في الوعي الشعري والروائي، ليس بوصفها حيزا جغرافيا فقط، وإنما لكونها تشكل حضورا إنسانيا فاعلا، فتفاصيل المكان غير مهمة عند الشاعر والروائي بحد ذاتها، وإنما بقدر ما تحيل على ذاكرة مرجعية وبقدر ما تثيره من عواطف لدى المبدع والقارئ معا، فالمدينة في النص الأدبي المعاصر تمثل مظهرا من مظاهر الاغتراب والعزلة والشعور بالعدمية، فهي تختزل معاناة الإنسان في عالم تتجاور فيه العوالم إلى حد التعقيد والغموض، هذا ويمنح المبدع مسميات لأجزاء من المدينة، حيث تكون ذات حمولات أسطورية ونفسية واجتماعية وسياسية، ويصبح التعامل معها بوصفها كائنا حيا أو موجودا عقلانيا غير حيادي ينقل مشاعر إنسانية متضاربة (الخوف، الحزن، الطمأنينة، الكره، الحب، النفور، الألفة...)، فالمبدع لا يستطيع التحرر من سطوة المدينة حتى وإن بدت بشكلها المضمر أو بشكلها التعارضي حال وصف المدينة، أو الريف والطبيعة..
❊ يمكن القول أنّ ذكر «المكان» يضفي جمالية حتمية في النص الإبداعي، حسب رأي العديد من المثقّفين؟
❊❊ يغادر المكان طبيعته الصامتة وهندسته المجازية في النصوص الإبداعية ليحيل على ذاكرة مرجعية وعلى عناصر تخييلية مختلفة تهدف إلى إيصال رسالة ما، والمتعة الجمالية تتحقق لدى القارئ حال استشعاره روح المكان وهويته التركيبية وتناقضاته، وتلك المتعة تكمن في مسافة التقاء الكتابة بالقارئ المستفز، حيث يحدث تفاعل بين العقلي والمجازي، ويحقق المكان تأثيراته على نفسية القارئ، إذ يصبح من قبيل التفريغ بعد وجود تمظهرات مختلفة للحواس وتفاعلها حال امتزاجها داخل النص، فالمكان في إثارته للقارئ والكلمات في تأثيرها على الذائقة الجمالية وتوجيهها، يفعل بانتقائيته ذلك الحس ويثور الانفعالات حتى تتحقق لحظة التمازج مع النص، ويصبح الملتقى نفسه داخل النص إلى درجة أنه لا يفرق بين العالم الواقعي والعالم التخييلي.
❊ حسب العديد من المهتمّين فإنّ «المدينة» لا تحضى كثيرا باهتمامات الكتاب في الجزائر، وإن حضرت فهي بشكل باهت، لماذا برأيك؟
❊❊ كانت صورة المدينة في الذاكرة النصية الجزائرية باهتة ومرتبكة وغامضة تغيب عنها الملامح، ربما لأن المبدع الجزائري يعيش حالة حصار ذاكراتي يوتوبي، فأزمته بسبب راهنية معقدة خلقتها الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، هذا الأمر يجعله يحن إلى زمن القرية، كما أن المدينة تعمق من إحساسه بالاغتراب والغرابة والعدمية والضياع، أولا لتشابك العلاقات الموجودة فيها وتعقدها وهشاشتها، وثانيا لافتقادها للملامح الهوياتية إذ معماريتها وكل ما ينبض فيها يدل على نمطها الاستعاري وغيريتها، وحتى وإن ظهرت المدينة في بعض الأعمال الأدبية الجزائرية، فبشكل هلامي لا نستطيع الإمساك بملامحها ولا استحضار موضعيتها، فالمدينة في وعي المبدع عبارة عن قيد وممارسة الكتابة نوع من الاستفراغ والتحرر من ذلك القيد.
❊ هل كان للمدينة حضور في أعمالك الأدبية؟
❊❊ لا أظنّني اهتممت بالمدينة في كتاباتي القصصية، وليس التغييب من باب الحياد الذاكراتي، وإنما من باب التركيز على الإنسان وإشكالاته، فحتى رمزيات المكان تتجه ناحية التمثل الوجودي لعلاقة المثقف بالسلطة مهما كان نوعها، ولذلك كان تركيزي واضحا على سيرورة الأحداث دون توجه واضح نحو تدقيق المكان أو الانشغال بتفاصيل مدينة ما، كما أن المدينة بالنسبة لي سجن ووجع، والانشغال بتفاصيلها قد يكون قيدا يمنع انسيابية النص ويدخله في دائرة التكلف والتصنع وفي ذلك قتل للنص.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024