ارتبط ذكرها بعديد الأعمال السينمائية الخالدة

المدينة..ذلك الفضاء المشبّع بالرّمزية

أسامة إفراح

خلال زيارتي للعاصمة الإيطالية روما، قيل لي هناك إنّني لا يجوز أن أغادرها قبل زيارة نافورة تريفي الشهيرة. لم تُذكر لي هذه النافورة فقط لجمالها النادر أو لقيمتها التاريخية، ولكن كان أول ما رُبط به هذا المعلم حين ذكره لي هو الفيلم الشهير «لا دوتشي فيتا» للمخرج الإيطالي فيديريكو فلليني..بل إن كلّ الشارع الذي ارتأيت الاستقرار به كان يحيل إلى الفيلم، ومن ورائه إلى فترة زمنية معينة بما حملته من أفكار وعادات وموضة.
للمدينة حضورها في السينما..هي ليست الديكور فقط، بل هي الوعاء الحامل لزخم كبير من القيم التي يبنى عليها العمل السينمائي. حضورها يحدد أطر المكان وحتى الزمان، والإيديولوجيات والأفكار، وغيابها دليل على انتقال إلى منظومة مجتمعية وفكرية أخرى، قد تتوقف عند القرية أو التجمع البشري المحدود، وقد تصل إلى الغياب التام للتجمعات الحضرية، على غرار الأعمال التي تدور أحداثها في الصحراء أو أقاصي البحار.
توظيف المدينة في السينما لا يعني بالضرورة توثيقا للواقع، ولا تقيدا به..واحدة من أشهر المدن في السينما، وبالأخص قصص الأبطال الخارقين، هي مدينة خيالية: غوثام سيتي، مدينة باتمان الشهيرة، تحمل واحدا من الأسماء التي أطلقت على نيويورك، ويُنسب ذلك غلى الكاتب الأمريكي واشنطن إيرفين. وبالفعل كان باتمان بطل مدينة نيويورك الخارق سنتي 1939 و1940، قبل أن يتحول في يناير 1941 إلى بطل مدينة «غوثام»، التي مال ديكورها أكثر إلى مدينة شيكاغو.
ومع الوقت، تحولت «غوثام»، هذه المدينة الخيالية، إلى مدينة حقيقية في مخيال الجمهور، وهي من مزايا السينما: تحويل الخيال إلى واقع.
لم تخرج السينما الجزائرية عن هذا السياق..هذا ما لمسته في دردشة مع الصديقة ظريفة مزنر، مخرجة الفيلم القصير «سكنت في الغياب مرتين»..تقول ظريفة إن حضور المدينة في السينما يحتاج هذا الأمر إلى دراسة وتمعن عميقين: «المدينة شكلت منذ ولادة السينما الكادر الأكثر تعقيدا من ناحية المعمار وكثافة القصص والسرد، والأكيد أن حضورها يعكس العلاقة بينها وبين السينمائي نفسه»، وتستشهد ظريفة بأفلام إيطالي آخر هو أنطونيوني، التي نرى فيها من تفاصيل الشوارع والمباني والمسافات «ما يعكس الوحدة ومشاكل التواصل التي تحملها شخصياته في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية».
حدثتني ظريفة عن تجربتها الأولى «سكنت في الغياب مرتين»، وقالت إن الصور التي أخذت في الحي والمدينة كانت محاولة لتجميع شظايا ذاكرة، صور مرتبطة بذكريات الطفولة أكثر منها ما تمثله اليوم من فضاء للعيش في الوقت الحاضر.. «المدينة اليوم بالنسبة إلي تقلصت بشكل كبير، ولا أدري إن كنت قادرة على وصف علاقتي بها وانعكاس ذلك على عملي القادم».
وفي انتظار الأعمال القادمة لظريفة، ورؤية مدى حضور المدينة فيها، سيبقى الفضاء الحضري مشبعا بالرمزية الفنية.:

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024