الدكتور المخرج حبيب بوخليفة لـ«الشعب»

السينما الجزائرية تحتضر لأنها ترتبط أساسا بمفهوم الربع

تيبازة: علاء ملزي

أكّد الأستاذ بالمعهد الوطني للفنون الدرامية الدكتور المخرج حبيب بوخليفة على أنّ السنما الجزائرية أصبحت تحتضر وتتنفّس بصعوبة كبيرة عقب تدمير مختلف المؤسسات السنمائية العمومية الجزائرية في مرحلة نهاية التسعينيات، الأمر الذي فتح المجال واسعا لتأسيس شركات سمعية بصرية، خاصة لم تتمكن من الرقي بالسينما الجزائرية إلى طابعها المعهود.
وأشار الأستاذ بوخليفة في معرض تحليله لواقع السينما الجزائرية وسبل ترقيتها إلى أنّ السينما تقتضي عملا مؤسساتيا متكاملا يبدأ من الفكرة وكتابة النصّ وينتهي عند العرض في الفضاءات المخصصة لهذا الغرض. وإذا فقدت هذه الدورة حلقة من حلقاتها فإنّ ذلك سينعكس سلبا على أداء السينما ككل، وإذا كانت العشرية السوداء قد ساهمت بشكل كبير في توقف الانتاج السينمائي لأسباب يدركها الجميع، إلا أنّ ذلك لا يعتبر علّة وحيدة في تأخر السنما الجزائرية خطوات عملاقة نحو الوراء لأنّ الأمر يرتبط أيضا بافتقاد ركائز المعرفة السينمائية والمهنية الجادة، وبحكم كون الصناعة الجزائرية تحيا وتنتعش بنجاح انتاجها بمعنى نجاح الفيلم وتوزيعه وعرضه على الجمهور بقاعات العرض عبر العالم وليس بالجزائر فقط، فإنّه لابد من الحديث مطولا عن مستوى الأفلام الجزائرية التي أضحت تنتج محليا والتي لم تعد تشرّف الجزائر على الاطلاق منذ مرحلة الثمانينات وإلى غاية اليوم. ولم تشفع الأموال الضخمة التي تمّ ضخّها في هذا المجال لإعطاء دفع ملائم للسنيما، ولاسيما خلال العشرية الأخيرة حين اهتمّت الجهات المعنية باستيراد مخرجين لإخراج اعمال وطنية لها علاقة بالتاريخ والتقاليد بالرغم من وجود كفاءات لا تنقصها الحنكة الصناعية في مجال السينيما، ومن ثمّ فالمخرج والمنتج لا يهمهما المستوى الفني الرفيع بقدر ما يتسابقان نحو الريع.
 ويضيف الأستاذ حبيب بوخليفة، بأنّ السينما الناجحة مرتبطة بالجدية في الشكل والمضمون وتعتمد على تراكم معرفي للصورة المتحركة خصوصا وأنّها تحوّلت مع مرور الزمن إلى الصناعة الرقمية ولا تحتاج إلى عمليات معقّدة للتصوير والتحميص مثلما كان عليه الأمر سلفا، إلا أنّ جلّ الأفلام لا ترتقي إلى المستوى الرفيع في شكلها الفني سواء تعلّق الأمر بالأخراج أو كتابة النص الدرامي باستثناء بعض الأفلام المشتركة مع فرنسا على غرار «الوهراني، الخارجون عن القانون، مسخرة، الطريق الى اسطنبول»، كما لا يمكن إغفال بعض الأفلام الروائية الصغيرة مثل «قنديل البحر»، «هواجس الممثل المنفرد بنفسه 3» التي حظيت باهتمام النقاد المتميزين، اما الأفلام التي تناولت الجانب الثوري فلا يمكن الحديث عنها هنا بحكم ركاكتها ورداءتها بالنظر الى كون طريقة تسيير القطاع تفتقد الى أساسيات الصناعة السنمائية الأولية، كما أنّ ظاهرة برمجة ترتيب الطلب في المناسبات الوطنية المختلفة تعتبر عاملا ومؤشرا دالا على فشل السياسة الثقافية لأن الإبداع الفني لا يخضع لمثل هذه المعايير المناسباتية وهو ينفجر عادة وطبيعيا عندما يتجاوز المصالح المادية الضيقة.
كما يؤكّد الأستاذ بوخليفة على أنّه بالتوازي مع رداءة الاعمال السنيمائية المنتجة وعدم صلاحيتها للعرض للجمهور على نطاق واسع، فإنّ التواصل عبر الشبكة العنكبوتية مكّن المواطن من الارتباط بكل مستجدات الانتاج الفني العالمي، مما أفرز واقع أصبح فيه المواطن يقارن ما بين ما ينتج محليا وما يروّج له عالميا فيمقت الانتاج الوطني بسبب ردائته لاسيما في ظلّ تقلّص عدد الفضاءات المخصصة للعرض مقارنة مع الشقيقة تونس مثلا، بالرغم من أنّ الجزائر كانت الأكثر تقدما وتطورا من جميع البلدان العربية خلال فترة السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي والدليل على ذلك كون فيلم «العفيون والعصا» لمحمد الأخضر حامينا يعتبر الفيلم العربي الوحيد الذي نال جائزة السعفة الذهبية في أكبر مهرجان سينمائي بأوروبا سنة 1975، ولا يمكن بتاتا إجراء عملية مقارنة بين تلك الفترة وماهو حاصل اليوم في ظلّ انعدام نشرية متخصصة ناقدة ودارسة لمجال السمعي البصري وافتقاد التجربة الجزائرية إلى كتاب سيناريو وذوي رؤية جمالية وأدبية للصورة المتحركة بحيث طغى الحوار الركيك المحشو بالألفاظ التي لا تعبّر اطلاقا عن جوهر وصورة الشخصية الجزائرية بكل أبعادها الحضارية والتاريخية، ومن ثمّ «فلابد من إعادة تنظيم القطاع لأن المنافسة أصبحت شرسة» يؤكّد الأستاذ بوخاليفة ولابد من تحمل مسؤولية الفشل المبرمج وفتح تحقيق في دواعي الفشل الذريع مع محاسبة المتسببين فيه حتى يتم تجاوز مرحلة الاستعجال المناسباتي والترقيع والحشو ويتم الانتقال من تبييض الأموال إلى مرحلة تبييض السينما الجزائرية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024