في حديث لنا مع الكاتب والإعلامي «محمد الزتيلي» حول مسألة كيفية صناعة سينمائية في ظلّ غياب قاعات سينمائية، أكد خلال تدخله لجريدة «الشعب» أنه كيف لنا بصناعة سينمائية في ظلّ غياب فضاءات العرض؟ هذا تساؤل يحمل جوابه في مضمونه، إذ أن الواقع المحيّر للأذهان منذ عقدين من الزمن هو انهيار كلي لقاعات العروض السينمائية التي دمّرت بدوافع وخطة سياسوية تهديمية مغذاة بفعل الجهل والتطرّف في آن واحد.
ولم تتمكّن السلطات رغم الوفرة المالية إعادة فتح القاعات وترميمها وبعث الروح فيها، فقد حوّلتها البلديات باعتبارها المالك الفعلي لها إلى أنشطة مختلفة تجارية من خلال إيجارها لخواص غيّروا لها طبيعتها بحيث تحوّلت إلى قاعات حفلات أو قاعات جزيت لأنشطة مشبوهة بما فيها عروض الفيديو لأفلام الجنس باستقطاب شبان مجموعات مجموعات.
والحقيقة أن مصطلح صناعة سينمايية مقابل انعدام قاعات أمر أكبر ولا يشكّل معادلة متوازنة فالأزمة في الجزائر هي أزمة فوضى كلية في مجال الإنتاج السينمائي، إذ أن مئات الملايير التي تبذر فيما يسمى إنتاجا سينمائيا تذهب هباء منثورا في غياب قاعات عروض غيابا كليا. إن القاعات التي أرادت وزارة الثقافة استرجاعها في الولايات من أجل ترميمها وفتحها قد وجدت إرادة ضعيفة وقناعة مهزوزة لدى السلطات في الولايات، ولم يجد مدراء الثقافة مساعدة من طرف الولاة خاصة لاسترجاعها من البلديات، هذه الأخيرة التي رفضت التنازل عنها وبعض البلديات صرفت الملايير للقول بأنها مؤهلة لترميمها وفتحها، لكن ما حصل هو تبذير أموال وانجاز ترميمات وإصلاحات رفضتها مصالح الحماية المدنية لعدم مطابقتها لشروط السلامة لاستقبال جمهور داخل قاعة كفضاء مغلق.
ولهذا لم تنطلق عمليات الترميم بالنسبة للقاعات، حيث وجد المديرون أنفسهم أمام عمليات تسجيل ضخمة بمئات الملايير من طرف وزارة المالية باقتراح من الوزارة الوصية، وبالمقابل قاعات لا تملكها الوزارة ولا تستطيع إجراء دراسات ومناقصات وما إلى ذلك، ففي قسنطينة ظلّ مبلغ أكثر من 200 مليار سنتيم حتى الآن مرصودا لترميم ستة 6 قاعات ولكن لم تنطلق للأسباب التي ذكرت، غير أن بعض المديرين سامحهم الله ظلوا يكذبون على الرأي العام مبشرين باقتراب وصول القافلة «المزعومة» في الوقت الذي لم تحلّ فيه مشكل العقار في ذاته.
إن مشكلة السينما في الجزائر كمثل مشكلات ثقافية عديدة كالمسرح والفنون التشكيلية والكتاب، غير أن الحقيقة المرة، هي أن البحبوحة المالية كانت نقمة حيث سكت الجميع وابتعدوا عن البحث عن الحلول الجذرية واستأنسوا بالأموال التي تتساقط عليهم بطريقة أو بآخرى، وقليل فقط من كان صوته يعبر عن الرؤية المستقبلية الايجابية الهادفة البناءة التي تخدم مستقبل الثقافة والإبداع والفنون في الجزائر. إن الموضوع متشعّب متداخل، والله الموفق.