العقل البشري المبدع هو السلاح لمواجهة الأزمات
على الجميــــع ســـــواء محترفين أو هواة أن يكونوا في خدمــة المسـرح
البحبـوحــة المالية لم ترافقهــا استراتيجية مسرحيـة واضحــة
يحدثنا جمال قرمي، المخرج المسرحي والمدير الفني بالمسرح الوطني الجزائري، في هذا الحوار، عن رؤيته لتجاوز العراقيل الحائلة دون إنتاج مسرحي في المستوى المطلوب من حيث الكمّ والنوع.. ويرى قرمي بأن الضائقة المالية التي طالت جميع القطاعات بما فيها المسرح، هي فرصة لتطهير الفن الرابع من الدخلاء والانتهازيين، لأن العقل المبدع وحب المسرح هما أهم سلاح نواجه به الأزمة، ويسمح بإيجاد البدائل، وهو ما عمد إليه المسرح الوطني الجزائري.
«الشعب»: إذا ألقينا نظرة على خريطة الإنتاجات الجديدة مؤخرا، نجد تفاوتا كبيرا بين المؤسسات المسرحية على اختلاف أنواعها؟ بماذا يمكن تفسير هذا التفاوت؟ وهل أثرت سياسة ترشيد النفقات على الإنتاج المسرحي في الجزائر؟
جمال قرمي: هناك حقيقة لمسها كافة المتتبعين في الشأن المسرحي، مفادها أن المسرح الوطني لم يتوقف عن الإنتاجات المسرحية، وذلك بفضل السياسة الراشدة التي وضعها المدير العام للمسرح الوطني الجزائري، وكذا طاقمه الشاب كل في اختصاصه.. لقد اعتمدنا على ما هو موجود بالمسرح من ديكورات أعمال مسرحية قديمة، ملابس، أكسسوارات، وكذا ممثلين وهم المفتاح الأساسي للعملية الإنتاجية، كما فتحنا الأبواب أمام التعاونيات والجمعيات للقيام بأعمال مشتركة.
خلاصة القول إننا لم نترك مجالا للضائقة المالية لكي تعرقلنا وتحول وبيننا وبين العملية الإبداعية، فالعقل البشري هو السلاح الأول في وجه كل أزمة، والضائقة المالية التي يعتبرها البعض نقمة قد تكون، وهذه وجهة نظري الشخصية، نعمة لإزالة أشباه الفنانين أو المتطفلين الذين صنعهم الظرف السابق. وفي هذا الصدد، طرح سؤال على المخرج العالمي بيئر برك حول القديمة المالية لمشروع مسرحي، فكان رده: العمل الإبداعي غير مرتبط بالكم المالي بل بالمستوي الفكري والمعرفي وكذا درجة الخيال والذكاء التي يتشبع بها أي مبدع.. بصفر دينار يمكن أن نصنع لك إبداعا وبـ 30 ألف يورو كذلك، حب المهنة يجعلك تتحرك لإيجاد الحل الذي تعتبره الأغلبية عند السياسي، ولكن على العكس، الحل هو في يد الفنان الصادق النزيه الغيور على الحركة المسرحية.
هل استفاد المسرح الجزائري من مخطط مدروس يتماشى مع مستجدات الواقع؟ مثلا هل يتماشى عدد القاعات وحجمها مع حجم المدن وعدد سكانها؟
كل المؤسسات الثقافية في العالم تتماشى مع ظروفها الاجتماعية والاقتصادية وكذلك السياسية. المشروع الثقافي تخطط له جميع مؤسسات الدولة وليس وزارة الثقافة وحدها. أعطيك مثالا: حينما ننظر إلى المخططات المعمارية نتساءل كيف يوضع مركز صحي، مدرسة، ثانوية.. ولا يوجد مسرح؟ يجب أن يكون المخطط مدروسا لذا يجب التفكير بجد في التوقف عن خلق الحلول لمشكل بعينه وترك المجالات الأخرى، يجب التفكير في إشراك النخبة المثقفة في العمل التنموي، فيما يخص المجال المسرحي إذا أردنا أن نقوم بعملية تشريح بسيطة، فقد مرت علينا سنوات كانت هناك غزارة في الإنتاج ولكن دون استراتجية واضحة أو مخطط مدروس رغم البحبوحة المالية، أما الظروف الحالية فتركتنا نفكر في أن لا ينحصر عمل المسرح الوطني في الإنتاجات المسرحية بل فتح المجال للأكاديميين لتقديم محاضرات وندوات وأيام دراسية، الهدف منها فتح نقاشات حول حال المسرح الجزائري وكذا كيفية وضع استراتجية واضحة لتطوير الذوق الفني عند المتلقي، ومن جهة ثانية ارتأينا فتح مجال التكوين أمام كل شرائح المجتمع وذلك بغية تطوير الذائقة الفنية والبحث عن المواهب الشابة وإعطائها الفرصة للولوج إلى الفن الرابع.
بكل صراحة، هل يلقى المسرح مكانة أولوية في منظومتنا الحالية؟ وما السبيل إلى ذلك في نظرك؟
إذا أردنا أن يكون للمسرح مكانة في هذا المجتمع يجب أولا أن نطهر الحركة المسرحية من الدخلاء، وأن يتوفر الحب والصدق والأمان عند الفنانين، لأن المشكل فينا نحن.. نحن نتظاهر بأننا نريد مكانة في هذه البلاد ولكن في المقابل زاد النفاق والنميمة، وحتى الغيرة الايجابية أصبحت غيرة سلبية.. إذا أردنا أن يسمعنا الغير فعلينا أولا أن نسمع بعضنا البعض، وأن نحب بعضنا البعض، وأن نفكر في مستقبل لهذا الفن الذي عشقناه ولا نستطيع أن نعيش بدونه.
هل يمكن الحديث عن تفاوت في الإنتاج المسرحي بين المحترفين والهواة؟ وما هي دلالات هذا التفاوت إن وجد؟
لولا مرورنا على مدرسة الهواة، لما كنا الآن في عالم الاحتراف.. هناك فرق كبير بين مصطلحي الحرفة والاحتراف.. الفنان المحترف يجب أن تتوفر فيه ثلاثة شروط: الشرط الأول أن يتشبع بمعرفة كيفية طريقة العمل الإبداعي كل حسب تخصصه.. ثانيا، التشبع بالمعرفة الأكاديمية المسرحية.. ثالثا، الالتزام أي الانضباط ثم بعدها تأتي الحرفة التي تكمل المقابل المادي. خلاصة القول، قد نجد فرقة هاوية تتوفر فيها الشروط الثلاثة والعكس صحيح.. علينا أن نتفادى تقزيم الهاوي أو المحترف، فكلنا في خدمة الحركة المسرحية.
في الأخير، ما هي في رأيك أهم المقومات التي تشجع إنتاجا مسرحيا في المستوى كما وكيفا؟
الحركة المسرحية تعيش الآن في عالم عبثي: الكل مخرجين، الكل ممثلين، الكل كتاب، الكل سينوغرافيين.. أصحاب الشهادة الأكاديمية في جهة يغنون ويطبلون بما اكتسبوه من معرفة ركحية، والعصاميون يغنون ويطبلون ضد من هو خريج المعهد، ونسوا أنهم يشتركون في صناعة الفرجة للجمهور، والكل يقول نحن الأصح. يجب على العمل النقدي الأكاديمي أن يصنف كل واحد في موضعه الأصلي. كما يجب أن نعطي لهذه المهنة مكانتها، وكذا فتح المجال للجمهور لكي يقدم انطباعه في العروض من خلال توافده وحضوره. يجب علينا أن ننخرط في العملية الاقتصادية، أي أن كل عمل مسرحي يخضع لشروط الربح والخسارة، ولو نترك المجال كما هو الآن يمكن القول إن الحركة المسرحية ستبقى تعاني.
يجب أن تكون المشاريع جادة وتخدم الجانب الفني والجمهور، لذا فرسالتي إلى كل فنان غيور على الحركة المسرحية هي أن لا يشغل نفسه في عالم افتراضي، لأن المسرح فعل يجب أن نقوم به في الميدان.. وأبواب المسرح الوطني الجزائري مفتوحة للجميع، وكل فنان لديه مقترح ميداني واضح، نحن نمد له أيدينا.. قد نصيب وقد نخطئ ولكن هدفنا هو العمل لكي نحسن ما تركه أسلافنا.