ترى الأديبة الأستاذة نورا تومي والمهتمة بالحياة المسرحية في بلادنا، أن المسرح الجزائري يعرف تراجعا كبيرا، خاصة في السنوات الأخيرة، وأرجعت أزمته الحالية، في حوار لها مع جريدة «الشعب» إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وكذا ما عانته الجزائر في التسعينات من أزمة أمنية حادة، معتبرة أن خلاص المسرح الجزائري وصلاحه مرتبطين بصلاح حياة المجتمع ككل، وإليكم نصّ الحوار:
«الشعب»: تملك الجزائر العديد من الهياكل المسرحية في العديد من مناطق البلاد، فما الدور المنوط بها، وما تقييمكم لأدائها سابقا وحاليا؟
الأديبة الأستاذة نورا تومي: يبدو أن الوضع المسرحي في الجزائر يتراجع سنة بعد أخرى، من صورة الزخم والحضور الفنّي الكبير إلى مجرّد شكل باهت، كان مصطفى كاتب وعبد القادر علولة، وعز الدين مجوبي ومحي الدين باشطارزي وولد عبد الرحمن كاكي وصونيا ومحمد بن قطاف وغير هؤلاء، كانت «العيطة» و»الصرخة» و؛حمق سليم» المقتبسة عن غوغول، و»الشهداء يعودون هذا الأسبوع»، كان المسرح يقدم أجمل ما فيه وأعمق ما لديه، كان المسرح ينتج الحياة، ويبعث الجمال، ويشير إلى المعنى في حياة الناس، لكن الانسداد الذي عرفته الجزائر إبان أحداث أكتوبر 1988 وما تلا ذلك من وضع أمني معقّد، ودخول البلد في أتون النار غيّر مجريات كل شيء ، ووأد المسرح ومسّ كل جميل.
ورغم ما تزخر به الجزائر من مؤسسات وهياكل مسرحية وثقافية، إلاّ أنّ الوضع يرتبط أساسا بوضعية البلد الاجتماعية والاقتصادية التي تخلق في النهاية مشهدية الثقافة في الجزائر.
ما هي في نظركم الأسباب وراء تدهور الإنتاج المسرحي في بلادنا كمّا ونوعا في السنوات الأخيرة؟
في الحقيقة لا يمكن النظر إلى الحياة الفنية عامة، والمسرحية خاصة بمعزل عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية للفرد داخل مجتمعه، الجزائر تشهد بعض الانسداد على جميع المستويات، وفي كل أنساق الحياة، وهو ما يقود بالضرورة إلى عملية تراجع الفعل المسرحي في الجزائر.
المسرح يحتاج إلى هواء الحرّية، ويحتاج إلى تنظيم حياة الناس، ويحتاج إلى طبقة شعبية يرتفع بها لترتفع به، في سنوات الخوف والدم انتهى المسرح إلى التآكل والموت، تراجع دوره، ونقصت الكتابة فيه، وهجره من هجره.
وبعد الأزمة التي عرفتها البلاد في العشرية السوداء، دخلت الجزائر في مشهدية البحث عن الذات، وإلى الآن لم تجد طريق خلاصها، ومنه فمحاولة تقديم الأسباب التي أنتجت أزمة المسرح هي مثل محاولة القفز في الفراغ، لأنّ أسبابه لا تنفصل عن أسباب حياة الناس التي باتت جد مأزومة.
المسرح يحتاج إلى مجتمع وفرد ينتبه إليك، يستمع إلى ما تقول، وللأسف الشديد فالمواطن الجزائري لم يعد هنا - على الأقل في هذا الراهن الموجع ـ.
هل يمكن القول إن المسرح يعيش أزمة في النصوص والتمثيل والتمويل وغيرها؟
أزمة المسرح في كل شيء، في غياب النصّ الجاد المحترف، وفي تراجع إعداد الممثل، وفي غياب الحركة النقدية، وفي الفشل في بناء جمهور مسرحي، وفي عدم وجود دعم وتمويل وانتباه من السلطة الثقافية، وفي أزمة ووضع الجزائر الاقتصادي والاجتماعي المتردي.
ما العوامل المساعدة على إعادة بعث من جديد والعودة إلى أيامه الجميلة؟
في الحقيقة كما ذكرت سابقا، لا يمكن علاج وجه دون آخر، فالمسرح يرتبط بالثقافة، والثقافة ترتبط بأنساق وألوان الحياة الأخرى التي ترتبط بدورها بحياة الناس، الحديث عن المسرح هو حديث عن حياة الناس، عن معاشهم، عن حريتهم، عن قيمتهم، عن وعيهم، المسرح هو نتاج ومحصلة حياة كريمة حرة، ويوم تصلح حياة الناس بسياسة رشيدة سوف يصلح حال المسرح، وربما يد المسرح مع الأدب مع غيره من ألوان الثقافة هي الأيدي التي تصنع وتصلح الحياة، حياة الناس..