من المتعارف أن الثقافة هي روح الأمة و أن هوية الشعب حاضرة و ماضيه و مستقبله و تألقه بين الأمم مرهون دائما برقي مثقفيه و مبدعيه و فنانيه، و ثراء انجازاته ومكتسباته عبر الزمن في مجال التراث المادي و اللامادي.
للثقافة الجزائرية أصول و جذور قوية ضاربة في عمق الأزمان، تراثها تاريخ حافل بالعطاء و الابداع في كل المجالات ، و رهانها الكبير اليوم هو إعادة الاعتبار لكنوز الذاكرة الثقافية و حفظها للأجيال الصاعدة و الحفاظ عليها كإرث للإنسانية»، و هو المشروع الكبير الذي يستلزم إضافة إلى اهتمامات ومجهودات الدولة، مشاركة فعالة قوية ومسؤولة من كل فرد من أفراد الشعب الجزائري».
أكد عبد القادر بن دعماش، رئيس المجلس الوطني للفنون و الأدب، ليلة اول أمس، من منتدى « الشعب»، على أن الجزائر تولي مند 1997 اهتماما خاصا و صريح بالثقافة و المثقف و الفنان، موظفة جهودا و إمكانيات و قرارات و نصوص قانونية و تشريعات، كان من أهمها، يقول: « إنشاء المجلس الوطني للفنون و الأدب « الذي يحمل اليوم على عاتقه اصعب المهام و هي التصدي لكل محاولات السطو على الثقافة و الموروث الجزائري».
لكن أضاف بن دعماش في مداخلته، خلال سهرة النقاش التي حملت عنوان : « دور المثقف و الفنان في الحفاظ على المخزون الثقافي الوطني و ترقيته»، قائلا : إن «الاهتمام و تكريم المبدع والفنان ، قد بدأ رسميا سنة 1992، بتكريم أنذاك وزارة الثقافة و الاتصال للعديد من الأسماء و الوجوه الفنية البارزة كمحيي الدين بشطارزي، كاتب ياسين، محمد الثوري، أحمد وهبي، احمد سري و غيرهم ...»
لكن الأحداث الأليمة التي عرفتها الجزائر خلال العشرية السوداء حالت دون مواصلة مبادرة التكريمات والعرفان والتقدير في حق رجالات الثقافة و الفن والإبداع ليعود العمل من جديد بعد رجوع الأمن و الاستقرار، وهاهي يضيف بن دعماش ، الثقافة تستعيد أنفاسها، في الآونة الأخيرة،أين نجد المثقف في صدارة اهتمام رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة»، الذي أسدى مؤخرا وسام الاستحقاق الوطني لعدد كبير من المبدعين و الفنانين الأحياء منهم و كذا الذين غيبتهم المنية».
مهمتنا الحفاظ على التراث اللامادي من القرصنة
عن مهام المجلس الذي يترأسه اليوم، تحدث بن دعماش عن اشكالية حماية الثراث قائلا: «كيف السبيل الى حماية التراث الثقافي الذي هو اليوم، مهدد من طرف جهات معينة معروفة ، التي تحاول خطف الإبداع والهوية الوطنية وطمس ذاكرة الشعب الجزائري و انتسابها بفضل انجازاته، فلابد علينا اليوم من الحفاظ على موروثنا، بتسجيله و كتابته و الاعتراف به و التعامل معه كمخزون لكنوز قيمة تحمل من التاريخ و الأدب و الفن و علم الاجتماع و غيرها من العلوم و الفنون مكنون تراثنا المادي واللا مادي.»
اعتبر بن دعماش «إمضاء الجزائر مع الدول الأوائل لمعاهدة اليونسيكو الخاصة باعتماد التراث اللا مادي إرثا للإنسانية، هو سبق يؤكد على الاهتمام المتزايد و الوعي بقيمة تراث و ثقافة الشعب الجزائري و الحرص على حمايته، مشيرا أن هذا السبق قد تجسد ميدانيا من خلال تأسيس 178 مهرجانا دوليا و وطنيا و محليا، الهدف منها التعريف و الحفاظ ومسح لخارطة التراث اللامادي.»
لكن بين الاهتمام والإرادة و القرارات يبقى التطبيق على ارض الواقع يستلزم بدل جهود إضافية وإشراك الجميع و إعادة النظر في النقائص والتأخير، وكذا تعبئة الذهنيات و توعيتها حول أهمية الثقافة و ضرورة الحفاظ على الموروث الثقافي، الامر الذي يستدعي إشراك المثقفين و الفنانين و المجتمع المدني في كل العمليات و الحركة الثقافية».
إن تقلصت المهرجانات بسبب مرحلة التقشف، يبقى بحسب بن دعماش العمل من أجل الثقافة من تدوين و أرشفة و تعريف في متناول كل غيور عن التراث و الهوية، لا يستدعي من الجميع سوى ممارسة حق المواطنة و الثقافة و الغيرة على الذاكرة و مصير الموروث الثقافي».
كتاب جديد يحمل قصائد الشاعر»لخضر بن خلوف»
في سياق آخر، ذكّر بن دعماش ببعض انجازات المجلس الوطني للفنون و الأدب، من بينها موسوعة التراث الجزائري التي تحمل 35 كتابا، التي أصبحت مفخرة كبيرة ، و هي كتب تحكي الشخصيات و التراث، الى جانب عمل البحث الذي يشمل ايقونة الشعر الملحون لخضر بن خلوف والذي سيتوج بالإصدار القريب لكتاب يحمل 167 قصيدة، إلى جانب التحضير للطبعة الخاصة للمهرجان الوطني للشعر الملحون بمستغانم شهر سبتمبر القادم و العدد السابع من مجلة رسالة « الملحون « التي ستوزع بالمناسبة على الصعيد الوطني «.