ابرز عبد القادر بن دعماش، رئيس المجلس الوطني للفنون والآداب، مدى أهمية إدراج التراث اللامادي وخاصة كل ما يتعلق بمسيرة كبار الفنانين في كافة المجالات ضمن البرامج المدرسية بما يعزز عناصر الهوية الجزائرية المتميزة بالتنوع والثراء في ظل الانسجام الاجتماعي.
استعرض في سهرة رمضانية، بمنتدى «الشعب»، سلسلة لقائمة فنانين بارزين تركوا بصمتهم في مسار الثقافة الجزائرية بجانبيها المحلي والوطني، داعيا إلى العمل بفعالية أكثر لرد الاعتبار لهم في ظل تعرض المجتمعات الناشئة لهجمة عولمة شرسة تستهدف ثقافة الشعوب وهوياتهم الأصلية باعتبارها القلب النابض الذي تستمد منه إرادة الوجود ضمن النسيج العالمي الخاضع لصراعات الهيمنة والتوسع التي تحكمهما المصالح.
ساهمت تلك الأسماء عبر التاريخ وبالأخص، خلال ثورة التحرير، في تنمية روح المقاومة ضد الاحتلال وصون الهوية، من خلال مختلف أنواع الفن من تأليف وغناء ومسرح وقصة، حيث كانوا يتواجدون في الأسواق والساحات العامة يخاطبون المجتمع ويبثون فيه شعلة المقاومة ورفض الاحتلال، بل ويحرضون بأساليب ذكية على دحره.
«إدخال الموروث اللامادي في المدرسة يكون بمنهجية علمية ضمن رؤية بيداغوجية متبصّرة وهادفة من أجل تحقيق الأهداف التربوية والثقافية»
أشار بن دعماش الذي يعتبر من طلائع حراس الفن الشعبي، خاصة، والثقافة الجزائرية عامة، إلى أن هناك عمل يجري بين قطاعي التربية والثقافة لإدخال الثرات اللامادي في المنظومة التربوية ما يعتبر مكسبا يتطلب توسيع نطاقه على مستوى كافة الأطوار التعليمية لغرس الثقة في نفوس الأجيال، التي يحق لها أن تفتخر بسلفها الذي استطاع بإمكانيات بسيطة، ومن خلال الثقافة بالمفهوم الواسع أن يدوّن دوره في مسيرة البلاد.
لمواجهة التحولات التي تفرضها العولمة، ينبغي أن يعاد صياغة مقاربة جديدة لإرساء ثقافة جوارية لا ينقطع مفعولها. لعل نقل مآثر وإبداعات أولئك الفنانين في الجنوب والشمال، مرورا بالهضاب العليا، من المهرجانات الدورية إلى المشهد التربوي والتعليمي من أفضل الانجازات التي تؤسس لتجديد النفس في الهوية الثقافية التي يستند إليها في ظروف صعبة وبالتالي امتلاك القوة الذاتية والمعنوية لتجاوزها.
«كان الفنان يتواجد في الأسواق والساحات العامة يخاطب المجتمع ويبث فيه شعلة المقاومة ورفض الاحتلال، بل ويحرّض بأساليب ذكية على دحره»
من بقار حدة وعيسى الجرموني في الأوراس إلى لخضر بن خلوف، علي معاشي واحمد وهبي بغرب البلاد، مرورا بالشاعر سي محند أومحند والفنان ايت منقلات بالقبائل والحاج مريزق والعنقاء بالعاصمة وبالي ومناعي بالجنوب وغيرهم من القامات الكبيرة التي تحفظها الذاكرة الجماعية ويصعب سردها في هذا المقام، يمكن للمواطن من كل الأجيال أن يطلع على تاريخه ويتعرف على ماضيه من خلال الشعر والطرب والمسرح.
غير أن إدخال هذا الموروث في المدرسة ينبغي أن يكون بمنهجية علمية ضمن رؤية بيداغوجية متبصرة وهادفة من اجل تحقيق الأهداف التربوية والثقافية المطلوبة لتقدم الإجابات عن جدل قائم لا ينبغي أن يترك عرضة لتأثيرات المحيط الإقليمي والعالمي، خاصة وان المجتمعات تمر بتوترات تساهم التكنولوجيات الجديدة للاتصال في الدفع بها إلى اللهث وراء سراب عولمة مغشوشة يجب أن يتم التعامل معها بثقة بالنفس وعدم الانسياق وراءها.