ذكر الدكتور طارق ثابت أنّه بعد 50 سنة من الكتابة ومن الأعمال الابداعية، يقدّم الروائي رشيد بوجدرة للقارئ بسرعة خاطفة مقتحمة مجاله الحسي، ومقحمة إياه في عالم المحكي ليشرع مباشرة في الانتقال بين الحقيقة والخيال داخل عوالم السرد الغامضة والمجهولة حد الإرباك، إذ تستشعر الذات القارئة أنه ليس بإمكانها مواصلة القراءة؛ ذلك أن التفاف الجمل المتلاحقة في رواياته دون خلفية معرفية واضحة أو مقدمة لما هو كائن داخل الحدث الروائي يجعل تخطي عتبات النص يبدو مستحيلا.
أضاف أستاذ الأدب العربي بجامعة باتنة الدكتور ثابت أن رواية «معركة الزقاق» تقتحم المجال البصري للذات القارئة منذ الجملة الأولى التي تستهل بها الرواية، وهي جملة شاحبة «صفراء فشهباء، ثم صفراء وتنطلق الرافعة كالسهم ناطحة عرض السماء الزرقاء بجناحها العلوي»، ثم ينتقل البصر إلى جملة من الموجودات والأشكال التي لا يربط بينها إلا حركة العين وهي تصطدم بتلك الألوان والأشكال عبر اللغة الواصفة، تشق طريقها في كبد النسيج السميائي يقول المتحدث فكأني بها تفصله أشكالا مربعة وتفتقه مثلثات ومربعات وحلقات وتمسح الفضاء بجناحها المتحرك ألآلي صفراء فشهباء...حتى إذا ما أغلقت العين بدت سوداء».
ومن خلال هذا التمازج والتقاطع بين كل تلك الموصوفات الظاهرة للعين المجردة، يشيع جو عام معلن داخل الرواية تمتزج فيه صفرة شاحبة يصاحبها سواد قاتم لجنائزية ذاتية تستمر في عرض خيباتها وانكساراتها حتى آخر الرواية، إذ نجد الجملة نفسها تتكرر في الأسطر الأخيرة: «كانت الرافعة الصفراء مستمرة في حركتها السرمدية، أخذت وصفة بيضاء، كتبت عليها: أيها الناس، أين المفر؟».
وفي الأخير يضيف ثابت أن الاختلاف الوحيد يكمن في استبدال اللون الأسود باللون الأبيض، وذلك كإعلان عن الأمل الكامن في نفس الإنسان الحي مهما كانت الظلمات، إلا أن الانتهاء إلى سؤال المصير يجعل الشخصية تنتهي بدورها إلى الاقتناع بضياع التاريخ، وبالتالي ضياع مصير الأنا الإنسانية بمختلف أبعادها، وهكذا هو رشيد بوجدرة في أكثر أعماله الروائية يبحث عن مصير الانسان وعن الضياع، يبقى أحد الفاعلين بحق في المشهد الروائي الجزائري والعربي خلال 50 سنة من العطاء والكتابة والابداع.
