ذكر القاص سعيد سلوم بأنّ مدة خمسون سنة من الكتابة والإبداع جدوى قد تحتويها عجالة كهذه مستعجلة عن مبدع أعطى الجزائر هذه الهوية الثقافية برمتها، ومختومة ببصمته الخاصة، متحدثا بأن بوجدرة شكّل بمفرده واجهة ثقافية، من حيث تموقعه ضمن صعيد ثقافي سياسي، يعود إلى التاريخ والطفولة، خلف مسحة من نسيج لهجة عامية بارعة، إثراء لترسيخ نسق المعنى كقيمة نادرة جديدة، مجالها دمج الواقع بالتاريخ، فاردا قوة وجمالية اللغة العربية ورحابة صدرها من حيث الأداء والإحتواء، طمعا في الوصول من ذلك إلى تأسيس واقع أجمل بشيء من رغبة بعث القلق، حتى تتم الإحاطة بالراهن جراء احتدام ما لا يمكن الحديث عنه. أضاف سلوم صاحب الحلزون لطالما وقف على الحدود بين موروثات حسبه أكل الدهر عليها وشرب، وبين وعي ظاهر متطور يحاول التهام ما يصادفه، وقد يكون ليس كما نريد. وهو في هذه الوقفة بين الواقع والعهود، كثيرا ما يستلهم طفولته برغبة جامحة لروعة الهامش وطيبته.
في السياق ذاته، يتساءل القاص سلوم إن كانت هذه العودة مجدية أو هي أيضا جالبة لمعاناة أخرى لسنا في حاجة لها، وهذا على الرغم من ما تنطوي عليه من تراث ومسكوت عنه، وأغلب الظن أن رشيد بوجدرة حاول أن يصل إلى نص يحمل قيمة متجددة ولا تنتهي، بحيث يكون في أي وقت موضوع نقاش وحيرة. فهو كاتب التاريخ من باب تقليمه ودوسه أو قطع بعضه، كاتب قد يغضبه التاريخ أيضا على حبه له، التاريخ كجوانب فاسدة قد تطال حياتنا. من هنا كان رشيد بوجدرة يهرب إلى ذاته منزويا بطفولته، يفتش عن اللقاء مع نفسه والتحرش بالمكبوت الماضي الذي قد يمثل الأصالة والبراءة وحتى التراث.