إشراك القطـاع الخـــاص في الحفـــاظ على المعـالم ضـــروري
تؤكّد أستاذة الاعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3 فايزة رياش بأنّ الجزائر وفّرت كل الوسائل القانونية والمادية التي تعكس اهتمام الدولة الجزائرية بهذا المجال، الذي يشكّل ركنا قويا من الهوية الوطنية. وتضيف الباحثة في علم الآثار ورئيسة الجمعية الوطنية «تراث جزايرنا»، أنّه من خلال اشتغالها لمدة 10 سنوات كمحافظة التراث الثقافي بالمتحف الوطني الباردو، وصاحبة فكرة تظاهرة «المتحف في الشّارع»، استطاعت رسم خارطة طريق لهذا الموروث الغني الضارب في عمق التاريخ والحضارات القديمة ، ونظرا للتجربة التي تحوز عليها في هذا الملف كباحثة التقتها «الشعب» في هذا الحوار.
❊ الشعب: تكرّس الجزائر شهرا كاملا لإحياء تراثها المادي واللاّمادي، كما وضعت ترسانة من القوانين لحمايته والحفاظ عليه، وتشجيع الاستثمار في هذا المجال، هل يساعد ذلك إعطاء التراث المكانة التي يستحقها و جعله في قلب السياحة بالجزائر؟
❊❊ الأستاذة فائزة رياش: تعتبر الجزائر من أهم الدول الغنية جدا بالمواقع والمعالم الأثرية، فهي تحتضن أقدم مواقع ما قبل التاريخ إلى فجر التاريخ إلى الحضارة النوميدية ومخلّفـات الفينيقيين والرومانيين والبيزنطيين والعرب والعثمانيين، وبغض النظر عن الأهمية التاريخية لهدا التراث فهو يعتبر المادة الخام لصـناعة السياحة التراثية في الجزائر، ولذلك أعتقد أنه يجب أن يخصّص للتراث 12 شهرا وليس شهرا واحدا، وهذا لما تقتضيه ضرورة العمل أكثر للترويج للتراث الثقافي والاستثمار فيه، ولما تعنيه لنا هذه الممتلكات الأثرية، حيث تمثل الذاكرة التاريخية للشعوب وفخـر الأمم واعتزازها ومظهر عراقتها وأصالتها، وحلقة وصل بين ماضيها وحاضرها، وأعتقد أنه يجب وضع برنامج سنوي يتمثل في ورشات عمل وملتقيات وحملات رفع الوعي بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي.
❊ ماذا عن القوانين والنّصوص لحماية هذه الكنوز الأثرية، وهل هي كافية لذلك؟
❊❊ الممتلكات الأثرية الوطنية يمكن حصرها في المواقع الأثرية، المحميات الأثرية، الحظائر الثقافية والمقتنيات الأثرية، وهذا على ضوء ما جاء في القانون 98 - 04 المؤرخ في 15 جوان 1998،باعتباره المرجع الأساسي في مجال حماية التراث الثقافي وتثمينه، هذا القانون الذي أعطى نظرة عصرية متفتحة تتمثل في وضع نظام لتصنيف التراث الثقافي دون إهمال التراث الثقافي غير المادي، وتعريف وتصنيف وتدقيق للتراث الثقافي أكثر دقة من القانون القديم بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية وأحكام خاصة لمساعدة الخواص لحماية التراث إلا أن هذه المحاسن أظن حسب رأيي يرافقها بعض النقائص، حيث أن القانون 98 - 04 استنقص من المعالم الأثرية لأنه جعل آليات الحماية (التصنيف،الجرد الإضافي والجرد العام) يشترك فيها مجمل التـراث المـادي وغير المادي المنقول وغير المنقول ، ولها نفس الأحكام دون تمييز،كذلك جعل المسافة التي تفصل المعلم عن المشاريع المحيطة محددة بـ 200 متر، وهي مسافة لا تتطابق مع المقاييس الدولية المحددة بـ 500 متر حتى يكون المعلم مندمجا ومحميا.
ولكن يبقى القانون الذي ساهم ومازال يساهم بقدر كبير في حماية التراث الثقافي المادي خاصة من السرقة والنهب وكذا الاتجار الغير شرعي، والذي من خلاله خطت الجزائر خطوة كبيرة في مجال التشريع القانوني في حماية التراث.
ولكن هذه الترسانة من المواد القانونية وتكريس شهرا للتراث لا يستطيعان لوحدهما جعل التراث وجهة سياحية، بل يجب وضع قاعدة طريق واضحة للاستثمار في التراث، وهذا بإشراك القطاع العام والخاص وكذا اشراك خاصة المجتمع المدني.
❊ الجزائر بلد يزخر بالآثار والمعالم التاريخية التي تحتاج إلى بعثات وحفريات لاكتشافها ودراستها، أنت كخبيرة في المجال هل نتوفر على التّقنيات اللاّزمة حاليا للحفر والتّنقيب؟
الجزائر ليست فقط غنية بالآثار والمعالم التاريخية، بل أيضا تتميز بتنوع هذه الأخيرة، وكل فترة لها كم هائل من المواقع والشواهد التاريخية والأثرية، لذلك وزارة التعليم العالي قامت بفتح تخصص علم الآثار في العديد من الجامعات بعد ما كان مقتصر في وقت سابق على معهد الآثار، يعني أن هناك كم لا بأس به من الطلبة في هذا المجال، كما أحدثت تخصصات جديدة تخدم التراث أكثر وهي الصيانة والترميم، ولذلك نحن لا نحتاج إلى بعثات، بل أعتقد إلى العمل على إقامة اتفاقيات شراكة مع مخابر أجنبية للقيام خاصة بعمليات التاريخ وكذا تكوين في مجالات لازلنا نفتقد إليها خاصة مثلا ترميم المباني الأثرية، ترميم الممتلكات الثقافية كالفخار والعظام...، أما من ناحية الكفاءة فعلماء الآثار الجزائريين من أحسن علماء الآثار في العالم، وهم متواجدون خاصة بمراكز البحث ومعهد الآثار، أما التقنيات اللازمة للحفر والتنقيب، أظن أنه ليس عذر للتأخر الذي يشهده مجال الحفريات في الجزائر، لأنّ الحفرية الأثرية يمكن أن تقام بوسائل بسيطة ولكن دائما يجب إشراك قطاعات عديدة في التقدم في هدا المجال، وأن لا يكون التركيز على التمويل من طرف فقط وزارة الثقافة، فيجب العمل أكثر على البحث على مصادر أخرى للتّموين عدا هذه الأخيرة.