عناصر الكتابة الأدبية غير كافية لوحدها في توصيف الواقع الذي نعيشه
العالمية هي طموح كل أديب، بل هناك من لا يرى نافذة التفوق إلا من خلال الكتابة بلغة عالمية تقارع كبار الأدباء على مستوى العالم، بناء وتركيبا وإبداعا، وهذا لن يتأتّى إلا من خلال معايشة الواقع أو ما يعرف بخصوصية الواقع الجزائري وشعريته، والتي نراها تسبق ما يكتب في في مجال الأدب الذي نراه متداولا في المؤسسات الأكاديمية والجامعات، وحتى تلك التي ترتبط بالمسرح والسينما من فنون أساسها الكلمة المكتوبة ذات البعد الأدبي، لمعرفة حدود إشكاليات عالمية الأدب الجزائري. نحاول من خلال هذا الحوار أن نسبر أغوار العلاقة التي تربط الأدب بعناصر شهرته وعالميته انطلاقا من واقعنا الراهن مع أستاذ الأدب العربي الدكتور قندوز كبلوتي بجامعة محمد الشريف مساعدية.
❊ الشعب: كيف ترى واقعنا الأدبي وهل هناك بوادر لولوجه العالمية؟
❊❊ كبلوتي قندوز: بالنسبة لواقعنا الأدبي الإبداعي الحالي، أقل ما نستطيع أن نصفه به بأنه متأخّر كثيرا عمّا هو متداول على المستوى عالمي، فالأدب كفن إنساني راقي يرتبط بعناصر الابداع والخلق، في الأخير هو رسالة عن واقع معاش يرتبط بهذا الواقع، ويتطور الادب وتزدهر عناصر الكتابة بدرجة مسايرتها للواقع المعاش، نحن نسقط من خلال ما نكتبه واقعا يراه الأديب بعين نافذة دقيقة، تصف أهم ما فيه، وتنقل الأحاسيس والعواطف التي ينتسب إليها واقعنا المعاش، بل تعطي للواقع المعاش شعريته وقراءة سليمة له حتى إذا قرأنا ما نكتبه، نجمع فيضا من الأحاسيس التي تكون عناصر مدركاتنا عن هذا الواقع المعاش، وبدرجة الوصف الدقيق والإبداع في الطرح، والقوة في الأسلوب بالدرجة التي تساهم بقوة في ارتقاء الكتابة للأدب.
من زاوية أخرى، عناصر الكتابة الأدبية غير كافية لوحدها في توصيف الواقع الذي نعيشه والارتقاء بما نكتبه، إذا لم يصاحب ذلك حركة نقدية مزدهرة، تستند إلى قواعد علمية منهجية تقوم على التنقيح والاستزادة في مختلف ما يكتب من مواضيع أدبية، العين الناقدة هي جزء من الذات التي تكتب بطبيعة الحال، وهذا ربما حلقة في سلسلة طويلة تضاف إلى عناصر الابداع والتأليف، والطموح الذي يدفع الأديب إلى ما هو راقي وواقعي ليطل على العالمية، كما أنّ العالمية أو السلم الذي نرتقي به في كتاباتنا، هي عبارة عن الحلقة الأخيرة من هاته السلسلة الابداعية، تأتي هاته المرحلة كنتيجة لما ينقد من كتابات، فلا ينتظر الأديب أن يلج العالمية، ولم يتم تداول ولا تناول كتاباته بالنقد والتصحيح والمقارنة والتوصيف، لأنّ هاته الحركة العلمية كلها مراحل تضيف لما يكتب القوة والشهرة والتداول وتزيد للكاتب ثقة فيما يكتبه.
❊ هل ترتبط عالمية الأدب باللغة؟ أم لا يمكن اعتبارها عائقا فيما نكتبه؟
❊❊ اللّغة هي مفتاح أو كما تقول الحكمة بقدر تحكمنا في اللغات بقدر ما أنّنا نكسب مفاتيح لولوج ثقافات أخرى، لو نظرنا إلى العالمية، وأغلب الجوائز الممنوحة في إطار عالمي، نجد في الغالب اللغة اللاتينية هي المهيمنة على أغلب ما يكتب من آداب عالمية، لكن اللغة لا يمكن ان تكون هاجسا كبيرا أمام الأديب، خاصة أمام تطور عناصر الترجمة الأدبية الدقيقة، لكن هناك مفارقة كبيرة فيما يتعلق بالترجمة، غالبا ما تفقد الفنون الأدبية قيمتها اللغوية بمجرد ترجمتها، تفتقد عناصر القوة فيها لأن اللغة هي وعاء ثقافي ليست رسما لسانيا مجردا، كما أن الأدب هو عناصر نفسية يترجمها الأديب من خلال ما يكتبه ويصفه بدقة متناهية. لكل لغة عناصر للقوة فيها، حتى اللفظ في حد ذاته، إذا تحول من لغة إلى لغة أخرى يفقد معه القوة في التعبير وعناصر الايحاء البليغ.
لهذا نحن في الجزائر نجد أنّ اللغة الفرنسية والتي تعتبر بالنسبة لنا كجزائريين غنيمة حرب، أعطت للعديد من الأدباء ممّن يكتبون بها دفعا كبيرا في توصيل كتاباتهم إلى مصاف العالمية، حتى وإن كان تداولها محدودا جدا بباقي اللغات اللاتينية على مستوى عالمي، ونستدل بالعديد من الأسماء التي ربما سطعت على مستوى الساحة الأدبية الوطنية امثال كاتب ياسين وروايته نجمة، والدور الكبير الذي قدّمه الأديب أبو العيد دودو في الترجمة لرواية أبوليوس، كذلك الأديب مرزاق بقطاش، والكتاب أيضا الذين يكتبون باللغتين العربية أو الفرنسية أمثال الطاهر وطار، واسيني الأعرج وبوجدرة...إلخ .
❊ هل ممكن التّعرف على عوائق ذلك؟
❊❊ هناك العديد من العوائق التي تقف حائلا دون ولوج الأدب الجزائري أسوار العالمية، نحاول أن نحصرها في ثلاث عناصر رئيسية يأتي في مقدمتها العائق اللغوي وهذا سبق وأن فصلنا فيه، ثم ضعف الحركة النقدية، وهي سبب كافي لعدم الارتقاء بالكتابات الأدبية، لأن النقد هو روح الأدب لأن الادب بلا نقد يبقى محليا، لا يمكن أن نرتقي إلى مصاف متقدمة من خلال كتاباتنا الأدبية ونحن نراوح نفس المكان، دون دراسات نقدية معمقة لما يكتب ويتداول من كتابات.
يأتي أيضا سبب آخر ساهم بقسط كبير في تأخر ما يكتب للأدب، وهي ضعف حركة النشر في الجزائر، وهي سبب كافي لعزوف الكتاب والأدباء إلى طبع ما يكتبون، بسبب إرتفاع التكاليف وغياب كبير لدور النشر التي ترافق المنتوج الادبي، لأن غالبا الأديب أو الكاتب ينحدر من الفئات المتوسطة، ليس له من القدرات المالية أن ينشر ويطبع على حسابه الشخصي ما يكتبه، فهو بحاجة إلى المرافقة من طرف المؤسسات الادبية العلمية والاكاديمية، وهذا غائب في الجزائر ما عدا بعض الالتفاتات التي لا تكاد تذكر في المناسبات والتظاهرات الادبية والملتقيات، لكنها تبقى غير كافية. نحن بحاجة الى ثورة في مجال النشر والترجمة، على غرار ما نراه في العديد من الدول العربية كتونس، لبنان، مصر، الكويت....إلخ.
❊ هل لك أن تعطينا رؤية لأهم منفذ يمكن للأديب الجزائري أن يلج من خلاله النّافذة العالمية؟
❊❊ من خلال مساري العلمي، ومن خلال متابعتي لما يكتب في هذا المجال، أرى أن الأدب الشعبي أهم بوابة يمكن للأديب من خلالها أن يرتقي إلى العالمية، ولنا في ذلك العديد من التجارب، خاصة فيما يتعلق بالأدب الذي يستند إلى أبعاد أنتربولوجية تنقل تاريخ الإنسان، وأبرز تجربة نراها تجربة الأديب عبد الحميد بورايو في الأدب الأمازيغي أو ما يعرف بالقصص الشعبي، وهو نموذج عن الأدب الروسي، يعنى بالأدب الشعبي، ينقل إلى الآخر رؤية جديدة لواقع لا يعرفه من خلال إبداع أدبي دقيق، وهذه تجربة جيدة أثبتت قوتها في العديد من الدول، وحازت من خلالها العديد من الأسماء على جوائز عالمية.