هنـــاك أسمــاء أدبية تحاول تقديم الأفضل بعيدا عـــن الصّراعــــات والإيديولوجيــــات القاتلــــة
ترى القاصة والأستاذة بجامعة محمد الشريف مساعدية بسوق أهراس غزلان هاشمي، أنّ الأدب الجزائري لن يصل إلى مصاف العالمية إلا إذا قدم بلغة الآخر، أو حاول انتهاك القيم الذاتية احتفاء بقيم مغايرة، مؤكّدة بأنه تنقصه بعض الجرأة في إنتاج كتابة متعلقة بهموم الذات، بعيدا عن تهويمات المعنى وإغراقاته التي تخلق فجوة كبيرة بينه وبين المتلقي. وأشارت هاشمي إلى أن في الساحة الأدبية اليوم أسماء تحاول جاهدة تقديم الأفضل بعيدا عن كل الصراعات والإيديولوجيات القاتلة، من خلال خلق نماذج ثورية تنتهك مخلفات الرؤية الاستعمارية.
❊ الشعب: في اعتقادك هل يمكن القول أنّ الأدب الجزائري دخل فضاء العالمية؟
❊❊ القاصة هاشمي غزلان: أولا علينا أن نعيد النظر في مفهوم العالمية، إذ يحمل في مضمونه تحيزا واضحا للغيرية، وهذا معناه أن الأدب الجزائري لن يصل إلى مصاف العالمية إلا إذا قدم بلغة الآخر، أو حاول انتهاك القيم الذاتية احتفاء بقيم مغايرة، في حين أن كل أدب يمكنه الانتشار من خلال معالجة قضاياه الخاصة وبلغته المحلية إذا لامس الوجع الإنساني، وأعتقد أن الأدب الجزائري معظمه فشل في الوصول إلى العالمية بسبب محاولته الوصول إلى النموذج المحتذى المستعار، فالتقليد وإن اتخذ سمتا ثوريا هو ما يميز معظم الكتابات الإبداعية، التي غيبت الاهتمام بالقارئ وهويته وصنعت فجوة كبيرة بينهما.
❊ ألا تعتقدين أن الأدب المكتوب باللغة الفرنسية تمكّن من كسر الحواجز واختراق الحدود نوعا ما، مقارنة بالأدب المكتوب باللغة العربية؟
❊❊ الإشكال لا يكمن في كتابة أدب يفهمه الآخر ومنجز وفق معاييره الخاصة، فالأدب المكتوب بالفرنسية حتى وإن حمل في مضمونه بعض اهتمامات المجتمع الجزائري وحمل صبغة نضالية، إلا أنه يظل حبيس تلك اللغة بكل حمولتها الإيديولوجية، فحتى وإن ظن أنه نجا من تلك النبرة الانبهارية، إلا أنه يسقط في فخ العدائية لكل ما هو ذاتي خالص بدعوى الانفتاح والبحث عن قيم الاختلاف والمغايرة، إذ لا ينتبه أنه يؤسس لثقافة المطابقة، ونحن لا ننكر أن هناك كتابات قدمت توصيفا دقيقا لمعاناة الجزائري، لكنها تظل قليلة جدا بالنظر إلى التركيز على تثوير القيم الأدبية والاجتماعية دون وعي بالمرحلية ومقتضيات التغيير المنبني على السابق واللاحق معا.
❊ أسماء جزائرية ترشّح لنيل جوائز عالمية، على غرار أسيا جبار التي رشّحت لنيل جائزة نوبل، لكن لا أحد من الأدباء الجزائريّين تمكّنوا من افتكاكها، ما السّبب في رأيك؟
❊❊ الكتابة تنبثق عن رؤى معينة وأي إخلال بها يؤدي إلى إنتاج متذبذب، ولربما لو ركز الأديب الجزائري على إنجاز ما هو قريب من انشغالاته اليومية ـ طبعا دون تسجيلية تخل بأدبيته ـ لكنا أمام أدب يثير أسئلة الإنسان الجزائري بصفة خاصة والإنسان بصفة عامة، ويعي اختلافات الراهن وتناقضاته ويقدم رؤية استشرافية في نفس الوقت، وهذه كلها تعد أولى شروط الدخول إلى العالمية بغض النظر عن اللغة التي أنتج بها.
فالانشغال بتكرير النماذج الغيرية دون وعي بخصوصية لحظة الكتابة أسقطت الكثير من كتابنا في فخ التقوقع والنخبوية التي تعد العدو الأول للكتابة الأدبية. هذا ولا ننكر أن الجائزة في حد ذاتها لا تعدو أن تكون استمرارا لمنطق كولونيالي لا يعترف إلا بقيم تناسب منظوره الإيديولوجي.
❊ ما الذي ينقص الأدب الجزائري لمنافسة أكبر الرّوايات في العالم؟
❊❊ ربما تنقصه بعض الجرأة في إنتاج كتابة متعلقة بهموم الذات، بعيدا عن تهويمات المعنى وإغراقاته التي تخلق فجوة كبيرة بينه وبين المتلقين، فالأدب إنساني بالدرجة الأولى وعلى الأديب الجزائري أن يتحرر من وهم النموذج ومن الأصنام القابعة في مخيلته، حتى ينتج وعيا جماليا مرتكزا على خصوصية الراهن وانبثاقات الماضي، مع مجاوزتهما في محاولة لإطلاق وعي استشرافي يسهم في خلقه المتلقي كذلك.
الأدب الجزائري عليه أن ينبثق عن سؤال فلسفي وجودي وأن يبحث في مسافات الذاكرة عن كل قابع في لحظة صمت، ليس بهدف الوصول إلى إجابات جاهزة وإنما بهدف حمل المجتمع عامة والإنسان خاصة على تغيير رؤيته إلى الوجود ككل.
❊ في اعتقادك هل هناك أسماء أدبية في الجزائر هي اليوم خليفة مولود معمري، مولود فرعون، أسيا جبار، أو يمكن القول أنّ الكتابة توقّفت نوعا ما عند هؤلاء؟
❊❊ القول بذلك معناه انتهاء زمن الكتابة، لذلك أعتبر أن لكل زمن كتابه ولا أحب إعطاء أسماء محددة، لا أنكر أن في الساحة الأدبية اليوم أسماء تحاول جاهدة تقديم الأفضل بعيدا عن كل الصراعات والإيديولوجيات القاتلة، من خلال خلق نماذج ثورية تنتهك مخلفات الرؤية الاستعمارية، وحتى لو عولت على شخصيات هشة مضطربة حائرة وعلى لغة مدهشة بكثافتها إلا أنها من صميم حاضرنا ومن مخلفات مجتمعنا، نراها ماثلة أمامنا كل يوم بل ونتعامل معها في كل وقت.