استفاد من تجارب الآخرين لكن بوعي ورؤى وقيم معرفية
استهلّت البروفيسور شميسة غربي أستاذة الادب العربي حديثها لـ “الشعب”، عن الأدب الجزائري بالتأكيد على مسألة الوعي في التعامل مع الأدب لما فيه من رؤى وقيم معرفية، تاريخية، فنية، بلاغية، وهي الميزات التي توالت في حركة دؤوبة على مر العهود الأدبية وصنعت أدبا جزائريا مستقلا لامس في كثير من الفترات فضاء العالمية.
أكّدت أستاذة الأدب العربي بجامعة الجيلالي اليابس أن الحديث عن الأدب الجزائري لا ينبغي أن ينطلق من أقرب فترة أي من فترة النهضة العربية الحديثة، أو الفترة الإستعمارية وإنما من الإنصاف لهذا الأدب العودة إلى بداياته الأولى، فالأدب القديم مر بمراحل كالعهد الرستمي، عهد الأغالبة، الفاطميين، الصنهاجيين، الحفصيين الحماديين، الموحدين والمرينيين فلكل عهد طابعه الخاص،حيث أن الأدب القديم ترك بصمة قوية ولعل الشاعر بكر بن حماد الجزائري وليد تيهرت كان معروفا لدى المشارقة حتى أنه دخل البلاط العباسي ونافس شعراء تلك الفترة، وفي النثر نجد الغمام الأفلح بن عبد الوهاب وغيرهم.
لكن الإشكالية التي تواجه الباحث في الأدب الجزائري القديم تكمن في صعوبة إفتكاك نتاج الأصيل عن الوافد،فالجزائر شكلت مركز عبور إستقطب الوافدين ما اذكى الحراك الأدبي والمعرفي بشكل عام، فالتأريخ للعالمية في الأدب الجزائري بدأ مع الوهراني صاحب كتاب المنامات أو مقامات العشاق التي تؤرخ للعالمية عن طريق ما يسمى بالأدب العجائبي أو الغرائبي. كما أن جل المختصين في الادب الجزائري أكّدوا أنّ أول عالمية للأدب الجزائري هي رواية الحمار الذهبي لأبوليوس الأمازيغي الذي سكن منطقة سوق أهراس، وقد ترجمت الرواية إلى اللغة الإنجليزية.
الأمير عبد القادر رائد التّحديث في الأدب الجزائري
وخلال العصر الحديث - تضيف الأستاذة - يعد الأمير عبد القادر رائد التحديث في الأدب الجزائري كونه عايش العصرين، عصر الضعف والعصر الحديث وإذا أردنا إنصافه يمكن القول أنه رائد النهضة في العالم العربي ككل عكس ما هو متداول بالقول أن محمود سامي البارودي هو من أرّخ للأدب الحديث ودليلنا في هذا التشابه الكائن بين الشخصيتين في كونهما شخصيتان عسكرياتان، أدبيتان، عاشتا المنفى ولهما دواوين لكن الإمتياز يتجه صوب الأمير عبد القادر كونه سبق البارودي بحوالي ستين سنة.
“العشّاق في الحب والإشتياق” للأمير مصطفى أول رواية باللّغة العربية
هذا وتعد رواية العشّاق في الحب والإشتياق لكاتبها الأمير مصطفى سنة 1849 أول رواية في الأدب الجزائري باللغة العربية، وهي الرّواية التي سبقت رواية زينب لهيكل التي كتبت سنة 1914، الأمر الذي يؤكّد حقيقة السبق للأدب الجزائري في عديد الألوان الأدبية. وما الدور الذي لعبته جمعية العلماء المسلمين في الترسيخ لهذا الأدب لدليل كاف على إستقلالية الأدب الجزائري، فمثلا بن باديس اعتبر المكون العقلي للناشئة، في حين اعتبر البشير الإبراهيمي المكون الفني الأدبي باعتباره رائد الصنعة في الجزائر.
فرغم التهميش الذي يعانيه الأدب الجزائري إلا أن هناك العديد والعديد من الأدباء في مجال الرواية كالطاهر وطار، عبد الحميد بن هدوقة، السعيد بوطاجين في السرديات المعاصرة، واسيني الأعرج، عبد المالك مرتاض ممن استطاعوا كتابة أسمائهم في سجلات عالمية للرواية أين ترجمت رواياتهم إلى أكثر من لغة دون نسيان رواد الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية. هذا الأخير الذي خدم القضية الجزائرية بلغة العدو، وفي هذا الصدد عقبت الأستاذة على منتقدي ازدواجية الأدب الجزائري في قولها بأن الأدب الجزائري استفاد من تجارب الآخرين لكن بوعي، كما أنه نجح في إيصال الثقافة والهوية الوطنية وما كتبه محمد ديب، مولود فرعون، كاتب ياسين وآسيا جبار إلا دليل على ذلك.
وعن رؤيتها المستقبلية للأدب الجزائري، قالت بأنّها رؤية تفاؤلية لكنها مرهونة بمد يد العون للأدباء الجزائريين من خلال مرافقتهم ودعمهم في إنتاجاتهم الإبداعية، والنشر لهم باعتبار أن مشكل النشر والطباعة من المشاكل التي تعيق الأدباء. وهنا ذكرت الأستاذة إعتمادها على إمكانياتها الخاصة في طبع كتبها الستة، ككتاب بناء المقامة عند ابن ميمون الجزائري وكتاب السيرة في الأدب الجزائري القديم سنة 2010، المدارج الريادية في البيبليوغرافيا البوعنانية وكتاب رضاب الذاكرة الجزائرية في المقالات البوعنانية سنة 2011، وكتاب شعيب الحليفي أوراق في السيرة والرحلة سنة 2013، وأخيرا كتاب الذات والوعي بالتاريخ سنة 2014.