تجاهل الشّباب وعدم سماع صوتهم في قضايا المسرح وهمومه خطأ
أكّد المخرج المسرحي عقباوي شيخ في حوار مع «الشعب» على غياب استراتيجية واضحة المعالم لتطوير المسرح، وعدم جعله ضمن الأولويات في إطار التنمية الثقافية والبشرية والاقتصادية، مشيرا إلى غياب التكوين المسرحي الجاد والواعي الذي من شأنه دفع عجلة تقدم أبي الفنون، إضافة إلى عدم وجود قوانين ومعايير علمية واضحة المعالم تنظم المهنة. ويرى عقباوي أنّ المسرح الجزائري بإمكانه أن يستعيد مكانته الطبيعية والمستحقة، بالانفتاح على المبادرات والاقتراحات النيّرة والدقيقة التي تخدمه، فضلا عن الاستثمار في الأعمال الناجحة ودعم المبدعين، والعمل على إعادة الاعتبار للتكوين المسرحي.
❊ الشعب: كيف تقيّم واقع المسرح الجزائري في الوقت الراهن؟
❊❊ المخرج المسرحي عقباوي شيخ: حقيقة إنّ المسرح في الجزائر اليوم يعرف تراجعا مخيفا جدا، سواء تعلق الأمر بالنوع أو الكم، وللأسف الشديد يرتبط الإنتاج المسرحي اليوم بالمناسباتية، حيث صارت المسارح والفرق تنتج أعمالا من أجل مناسبة بعينها، مثل المهرجانات المسرحية أو التظاهرات الثقافية الكبرى، ولم تعد تهتم بجعل المسرح ممارسة يومية من أجل الجمهور وفقط،كما أن المسرحيين للأسف انشغلوا بأشياء بعيدة كل البعد عن المسرح الحقيقي، والعمل على تطوير الذات، بل صار الجميع راض عن نفسه ولا يقبل أي نقد أو تقويم وتقييم لما يقدم اليوم على خشبات المسرح، وهذا يضر بالمهنة ويجعلنا نراوح مكاننا، ناهيك عن غياب إستراتيجية واضحة المعالم لتطوير المسرح، وعدم جعله ضمن الأولويات في إطار التنمية الثقافية والبشرية وحتى الاقتصادية، هذا ساهم أيضا في تراجع المبادرات وعزوف الكثير من المسرحيين عن تقديم تجارب جديدة.
❊ لماذا في اعتقادك لم يتمكّن الفن الرّابع في الجزائر من الحفاظ على توهّجه الذي عرفه سنوات الثمانينيات والتسعينيات، ولماذا توقّفت عجلة المسرح عند زمن علولة ومجوبي؟
❊❊ علينا أن ندرك أن الزمن يختلف بين الثمانينيات واليوم على عدة مستويات، فجمهور اليوم ليس كجمهور الأمس وتطلعاته وقضاياه ومشكلاته تختلف، لذلك وجب على مسرح اليوم أن يدرك هذه التغيرات في المجتمع الجزائري، ويحاكيها ويترجمها حتى يكون قريبا من روح الأمة، فالوهج الذي ميّز مسرحنا في فترات سابقة من بين مقوماته ملامسة المسرح لهموم الناس، وعلينا أيضا أن لا نغفل فترة القطيعة التي حدثت بين المسرح والشعب، بسبب سنوات الجمر التي كادت أن تقضي على ما تبقى من ممارسة مسرحية في الجمهورية، حيث فقدنا العديد من عمالقة المسرح إما اغتيالا أو تهجيرا أو تخويفا، وهذا أثّر على تطور المسرح واستمرار توهّجه. من ناحية أخرى هناك فنون صارت تنافس المسرح اليوم بفضل الثورة التقنية والإنترنت، حيث ظهرت اهتمامات جديدة لدى جمهور اليوم، وهذا الأمر لم يستغله الكثير من المسرحيين وفشلوا في توظيفه مسرحيا.
❊ ما الذي يقف عائقا أمام تقدّم أبي الفنون في الجزائر؟
❊❊ تتعدّد العوائق والأسباب التي تقف في وجه تطور اللعبة المسرحية عندنا ومواكبتها للتجارب العالمية، ولعل من بين هذه العوائق على سبيل التمثيل لا الحصر، هو غياب التكوين المسرحي الجاد والواعي الذي من شأنه دفع عجلة تقدم المسرح، إضافة إلى عدم وجود قوانين ومعايير علمية واضحة المعالم تنظم المهنة، وإسناد شؤون المسرح إلى غير أهله، وجعل مستقبله مرهون بتكهنات واجتهادات أقرب إلى العبث بالمال العام منها إلى نفض الغبار عن مسرح جزائري يليق بتاريخه وطموح مبدعيه، كما أن هناك ظواهر سلبية عرفها مسرحنا اليوم، وهي العداوات المجانية والنرجسية المفرطة والنقاشات البيزنطية التي لن تسهم في تقدم المسرح وقربه من الجمهور. ومن هذه النّقاشات المزعجة والفارغة الصراع الوهمي والمختلق بين الممارسة والأكاديمية والصراع بين القديم والجديد، وهي نقاشات تحمل علامة الماركة الجزائرية بامتياز، وهذه الأمور وغيرها كثير لا يخدم مسرحنا للأسف الشديد.
❊ أنتم الشباب، ما هي الصّعاب التي تواجهكم؟
❊❊ أظن أنّ كل الفئات العمرية لها مشاكل معيّنة فيما يتعلق بالممارسة المسرحية، لكن بما أن السؤال يخص الشباب فإنّني أقول دوما أنه هناك مشروعان يتصارعان، وهما أن الشاب عموما مشروع فنان أو مشروع مجرم، وعلينا أن نختار إلى صف أي مشروع نقف ونستثمر، أما عن الصعاب فهي أيضا متعدّدة ومتنوّعة ومتشعّبة، ومن أهمّها الإيمان بما نقدّمه وتوفير أنصاف فرص لنا، لكي نقدم وجهة نظرنا الجمالية والفكرية والفنية، وهذا أمر لا يتوفر للأسف الشديد. أما الأتعاب المادية والتقنية فلا أحبّب الخوض فيها أو الحديث عنها، لأنها معروفة سلفا من غياب فضاءات تستوعب إبداعاتنا، وممارسة التجاهل ضد المبدعين الشباب، وعدم سماع صوتهم ووجهة نظرهم في قضايا المسرح وهمومه.
❊ في اعتقادك كيف يمكن النّهوض بالمسرح الجزائري من جديد؟
❊❊ لم يفت الأآان بعد للنهوض بمسرحنا الجزائري، وأشكرك على هذا السؤال المهم جدا، لأن النقد والانتقاد سهلين جدا لكن تقديم البدائل هو الأصعب، من هنا أقول أن بإمكان مسرحنا أن يستعيد مكانته الطبيعية والمستحقة، إذا توافرت النية والصدق في طي صفحة الخيبات السابقة والحاضرة، ومنها التنزه عن الشخصنة والنقاشات الأحادية الاتجاه والتوجه، بل وجب الانفتاح على كل المبادرات والاقتراحات النيرة والدقيقة التي تخدم المسرح، كما يجب علينا التصالح مع جمهورنا وفهم ما يريده حقيقة، وفتح الفضاءات للتجارب الجديدة، والاستثمار في الأعمال الناجحة ودعم المبدعين، والعمل على إعادة الاعتبار للتكوين المسرحي، وبناء جسور من الثقة بين كل الأطراف والمشارب، والعمل سويا أفقيا وعموديا من أجل المسرح الجزائري وفقط.