ليس عيبا مسايرة متطلّبات ومستجدّات العصر
سارة برتيمة إعلامية وسيناريست وكاتبة مسرحية، قادمة إلينا من عاصمة الواحات تقرت، تعاملت هذه الشابة التي فرضت حضورها في المشهد الدرامي مع قنوات تونسية وجزائرية ومصرية ولها الكثير من الأعمال والنصوص. اقتربنا منها وسألناها عن رؤيتها لواقع ومستقبل المسرح الجزائري، والفوارق بينه وبين المسرح المشرقي الذي تتعامل معه، ومدى صحّة المقارنة بين مسرح اليوم ومسرح العقود الماضية، وكذا دور المسرح في تقريب الثقافات والشعوب، فكان هذا الحوار.
❊ الشعب: في رسالة اليوم العالمي للمسرح لهذه السنة، تحدّثت الممثلة الفرنسية إيزابيل أوبير عن التعددية الثقافية والصداقة بين الشعوب، وقالت إن المسرح هو اللغة بيننا، وهو غياب الكراهية، إلى أيّ مدى ترين في المسرح لغة عالمية تجمع بين الثقافات على اختلافها؟ وإذا كان هذا الأمر صحيحا، فلماذا الحديث في كلّ مرّة عن «محلية» المسرح؟
❊❊ ما أدلت به الممثلة إيزابيل رائدة الخشبة قبل الشاشة هو تلخيص لكل ما يمكن أن يقال عن المسرح، ليبقى أن أضيف عليه فقط أنه أداة التواصل القوية التي تجعل من فضاءاته صرحًا يسهل تلاحم الثقافات، ويتجلى ذلك في كل ما يتجسّد على خشبته مهما اختلفت لغات نصوصه. بالنسبة لي المسرح هو السياسة الفريدة التي توحّد بين الشعوب وتزرع بين أفراده سلاماً من نوعٍ آخر لا تتحكم فيه بنود وبروتوكولات، ولو أخذنا على سبيل المثال جمهور مسرح يجلس متفرّجا على مسرحية مهما كان موضوع نصها نجد كل أنظاره منصبّة تجاه خشبته. إذن فالمسرح ليس فقط لغة عالمية تجمع بين الشعوب بل يعمل على توحيد النظرة مكمّلاً بذلك ترابط الشعوب بجلّ ثقافاتها.
- بالعودة إلى الجزائر..يلجأ كثرٌ إلى المقارنة بين المسرح الجزائري أيام السبعينيات والثمانينيات، وبين الأعمال المسرحية الأخيرة.. هل هذه المقارنة صحيحة؟ وهل يمكن من خلالها الحكم على مسرحنا بالتراجع أو بالتحسّن؟
❊❊ أعتبرها مقارنة غير عادلة لأنه لا يمكننا خوضها، باعتبار مسرح السبعينيات والثمانينيات كان في حقبة اختلفت فيها المعايير الثقافية سواءً تعلّق ذلك بالنصوص آنذاك أو بالإمكانيات المسخرة للمسرح وقتها، وحتى الجمهور والذي يلعب دورًا مهمًا مقارنة بالمسرح حاليا والذي افتقر للكثير من المحفزات أولها الأدبية وأقصد بذلك النص وخاصة، خاصة التميّز في كتابة النصوص، نحن في عصر العولمة أين تتشابه الإنجازات وفقط التميّز ما يجعلها تختلف.
يتوجّب علينا المضي للأرقى لنجعل من المسرح ما يجب أن يكون عليه، لنقدّم نصوصاً تليق بزمن نعيشه ولنأخذ مسرح السبعينيات والثمانينيات إنجازاً يحفّزنا لتقديم الأفضل لا لنبني على أطلال ما قام به مبدعو زمانهم، فلنعمل لجيل قادم يجد ما وجدناه نحن من جيل سبق، فلنكتب نصًّا يليق بمسرحنا.
❊ نلاحظ مؤخّرا تركيزا على المؤثّرات البصرية والسينوغرافية، حتى أن هيئة تحكيم المهرجان العربي للمسرح في طبعته الأخيرة لامت المسرحيين على سعيهم وراء هذه المؤثرات، على حساب النص والأداء الدرامي المحكم، هل يعود ذلك إلى مجرّد محاكاة وتقليد للمسرح الغربي؟ أم أنه حتمية قادتنا إليها السيرورة التاريخية للإبداع المسرحي؟
❊❊ أعود مجدّدا إلى كلامي، فلنكتب للمسرح ما يليق به حقيقة، وأقصد بهذا عدم التقيُّد بنمطية تخرج عن طقوس المسرح المعمول بها وعدم التأثر بما تمليه علينا «خزعبلات» مواقع التواصل الاجتماعي لتغزو أسلوب كتاباتنا للنصوص المسرحية، لست أنفي بذلك عدم التماشي مع ما تمليه علينا السيرورة التاريخية كما أسلفت، وليس عيباً كذلك أن نضفي على نصوصنا المسرحية روتوشات تفرضها علينا متطلبات الوقت الحالي، لكن في إطار يسمح بأن نحافظ على قداسة المسرح. وكان يتوجب على هيئة التحكيم أن تسلك مسلك النقد الأدبي البناء وتهذّب بذلك أصحاب النصوص على أن تنتقد أسلوبهم وتقرنه بمؤثرات بصرية أو غيره، فصاحب النص لا يلام مادام يأخذ عبرته من جهة لا تتمكن من الفصل في أمور مسرحية جد حساسة.
❊ ما هو إحساسك وأنت تخوضين تجارب ناجحة في المسارح المصرية؟ وهل صحيح أن المسرح المغاربي يختلف عن نظيره المشرقي؟
❊❊ تجربة الكتابة المسرحية في المشرق هي كتذوّق طبق لم أعهده، له طعم مختلف، أكتشف من خلاله تنوّعا في المذاق واللذة يدفعني كل مرة لأن أكتب بتألّق لاختلاف ثقافات الجمهور الذي تنوي أن تعرض له. إنّ خوض تجربة الكتابة في مسارح مصرية هي كالسفر عبر الزمن، فأنت تستلهم من كل محطة طاقة جديدة تجعلك تكتب وتشعر أنك تفعلها للمرة الأولى. وكما أسلفت لا يوجد مسرح مشرقي أو مغاربي بل يوجد نص جيد أو رديء، لأن المسرح واحد وأوحد، خشبة وجمهور ونص جميل هادف.
❊ باعتبارك كاتبة نص، كيف ترين سبل تطوير المسرح الجزائري؟ وهل من توابل نضيفها لأعمالنا حتى تستعيد المسارح جمهورها؟
❊❊ لكي نجعل من المسرح في الجزائر جميلا ومتطورا، يجب أن نبدأ من أنفسنا نحن صنّاع المسرح لنقدم نصوصاً جميلة ونستثمر في هذه الأداة، وبذلك ندفع بمن يسخر الإمكانيات المادية ورغما عنهم إلى أن يجسدوا ما يستحق أن يجسّد.