التّكوين المتقن ضروري لاستمراريته والعودة به لسابق عهده
أكّد سمير زموري المختص في الإخراج والتكوين المسرحي وفي حديثه لـ «الشعب» عن واقع المسرح الجزائري الذي يعيش حاليا أزمة هوية حقيقية، بالنظر إلى الأعمال المنتجة والتي لا تخرج عن التفرد والعشوائية في كثير من الأحيان، مؤكدا أن غياب التكوين والتوجيه في المجالين الإحترافي والهاوي يعدان من الإشكاليات الجادة التي تستوجب التمعن والتدقيق.
عرج سمير زموري في تحليله لواقع المسرح الجزائري على ماضيه الموقّع من ذهب على أيدي رجال ضحّوا بالكثير لتطويره وترقيته،بداية ميلاد الفرقة المسرحية لجبهة التحرير التي ساهمت في حرب التحرير بطريقتها الفنية وخلقت تقاليد مسرحية من خلال تجوالها عبر أنحاء الوطن للتخفيف من معاناة الاستعمار، وللتوعية وإيصال الرسائل التحررية في ذات الوقت، فلا يمكن لأحد أن ينكر مساهمة المسرح في الثورة التحريرية وفي استقلال الجزائر، فرشيد القسنطيني، محي الدين بشطارزي، مصطفى كاتب، سيد علي كويرات، نورية، السيدة كلثوم وغيرهم ممن كانوا في الفرقة آنذاك قاموا وبعد الاستقلال بتأميم المسرح وتأسيس مسرح جزائري كبناية وإعطاء نفس جزائري له، كما شكّلوا الحلقة الأساسية في الإنتقال وإنشاء حركية مسرحية، فمعظم فناني هذه الحقبة تتلمذوا على يد مسرحيين فرنسيين أين قاموا بنقل تجاربهم إلى المواهب الشابة لجيل الإستقلال انذاك.
وخلال فترة السبعينيات، أكد زموري أن المسرح الجزائري عرف نهضة مسرحية كبيرة وقفزة نوعية غير مسبوقة لم يشهدها المسرح من قبل وحتى يومنا هذا بسبب عديد العوامل، أهمها التكوين باعتبار أن جل الممثلين آنذاك كانوا يتمتعون بقدرات مميزة ومستوى عال في الأداء التمثيلي على غرار عز الدين مجوبي، صونيا، محمد فلاق، فاطمة ودليلة حليلو، كمال كربوز،صيراط بومدين وغيرهم. أما من ناحية الكتابة المسرحية والنصوص الدرامية فقد عرفت هذه الفترة عروضا مسرحية أمثال «الخبزة» لعبد القادر علولة، «البوابون» للمسرح الوطني، «دائرة الطباشير القوقازية» لمصطفى كاتب ، «القراب والأولياء الصالحين» ومسرحية «132 سنة» لولد عبد الرحمن كاكي، حيث كانت هناك موجة من المسرحيين أعطت وجها مشرفا للمسرح الجزائري محليا، عربيا ودوليا.
فترة الثمانينات تميّزت هي الأخرى بنوع آخر من الإبداع يمكن تسميته بالإبداع التكميلي من خلال إنجاز مشروع حقق الكثير من النجاحات، وهو العرض المسرحي «الأجواد» لعلولة سنة 1985، والذي تحصّل من خلاله صيراط بومدين على جائزة أحسن أداء مناصفة مع الممثل المصري نور شريف
مضيفا أن معهد الفنون الدرامية آنذاك صنع ممثلين كبار، حيث كان يضم أساتذة من روسيا وفرنسا وحتى من مصر كالأستاذ كرم مطاوع، الذي درّب العديد من الممثلين الناجحين في مجال الفنون الدرامية والاداء التمثيلي.
‘الشّهداء يعودون هذا الأسبوع» نالت جائزة أحسن عرض متكامل بمهرجان قرطاج
لتمتد ارتدادات الموجة الإيجابية إلى فترة الثمانينات التي تميزت هي الأخرى بنوع آخر من الإبداع يمكن تسميته بالإبداع التكميلي من خلال إنجاز مشروع حقق الكثير من النجاحات، وهو العرض المسرحي «الأجواد» لعلولة سنة 1985، والذي تحصل من خلاله صيراط بومدين على جائزة أحسن أداء مناصفة مع الممثل المصري نور شريف، ومشروع «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» لشريف عياد عن رواية الطاهر وطار، وهي المسرحية التي تحصلت على جائزة أحسن عرض متكامل بمهرجان قرطاج.
فهي الأعمال - يضيف سمير زموري - التي كانت تمتاز بالإتقان في العمل المسرحي بداية بالكتابة التي كانت ذات أبعاد شاسعة فكرية، أدبية، فلسفية وإجتماعية فضلا عن مخرجين من طينة الكبار أمثال عبد القادر علولة، الذي انتهج تصورا جديدا يعتمد على البحث في التراث الشعبي المحلي كفن الحلقة، ناهيك عن كاكي الذي ساهم في إنشاء المسرح الإحتفالي.
ليشهد بعدها المسرح خلال فترة التسعينات إنتكاسة وقطيعة في الإبداع أحدثت شرخا وكسرا كبيرا في المسار المسرحي الذي فقد معظم جمهوره، وهو ما أثّر وبشكل كبير على جيل ما بعد التسعينات الذي فقد الهوية المسرحية والثقافية لإنعدام الحركة الإنتقالية بين الأجيال، ما أدى إلى ظهور بعض المشاريع المتفردة والغير مقننة، والعشوائية في كثير من الأحيان.
شهدت فترة التسعينات إنتكاسة وقطيعة في الإبداع أحدثت شرخا وكسرا كبيرا في المسار المسرحي الذي فقد معظم جمهوره، وهو ما أثّر وبشكل كبير على جيل ما بعد التسعينات الذي فقد الهوية المسرحية والثقافية لإنعام الحركة الإنتقالية بين الأجيال
وما الإنتقادات القائلة بوجود أزمة نصوص وممثلين ومخرجين إلا دليل على ذلك باعتبار أن الإستمرارية هي العامل الوحيد في ترابط الأجيال، «لكني لا أؤيّد هذا الإنتقاد لأن أزمة النصوص يمكن معالجتها بالإقتباس من أعمال جزائرية رائعة لأدباء كبار أمثال رشيد ميموني، محمد ديب، كاتب ياسين، آسيا جبار، مالك حداد، مولود معمري، مولود فرعون، عبد الحميد بن هدوقة، والطاهر وطار»، يضيف المتحدث الذي أكد أن الإقتباس ليس بالأمر المعيب إذا ما احترمت فيه شروطه وطرقه الصحيحة.
ما هو محل الممثّل في المسرح الجزائري في الوقت الراهن؟
هذا وتساءل بعدها الأستاذ زموري عن محل الممثل في المسرح الجزائري، وهنا أكد أنها من الإشكاليات الجادة نظرا لغياب التكوين والتوجيه في المجال الإحترافي والهاوي خاصة بالنسبة للجيل الجديد، ليؤكد أن السبب في تفاقم أزمة المسرح الحالي وقتل الإبداع في التمثيل المسرحي هو ظهور الجنس المسرحي «الوان مان شو» و»الستاند أب»، «فأنا لا أنفي دور هذين اللونين المسرحيين في تحقيق نوع من الترفيه المسرحي والتخفيف على الجمهور، لكن يبقى الإشكال في أن أغلبية الشباب يميلون لهذا اللون الكوميدي أكثر من التمثيل المسرحي الكلاسيكي، وهو ما ساهم في ظهور عروض مؤقّتة مستهلكة آنيا دون أن تترك أثر لها».
وعن هدفه كمكون مسرحي، أكد سمير زموري عن مشروعه في تكوين حوالي ثلاث فرق في السنة على مستوى ورشات المهرجانات، وبالتنسيق مع القائمين على قطاع الثقافة بكل الولايات إنطلاقا من تلقينهم المبادئ المسرحية، كيفية إنجاز مشروع مسرحي، فضلا عن التكوين المسرحي في الأداء والكتابة الدرامية، وكذا التركيب المسرحي الذي يسمح للممثل المبتدأ بالتنقل تدريجيا في الأداء. ويقول في هذا الصدد «أنّ التقنية هذه التي اعتمدناها بعد نقاشات طويلة ودراسات حول أسباب تراجع المسرح الجزائري، تم إنتهاجها من قبل عدد من المسرحيين المكونين على غرار غالم بوعجاج وجهيد من سيدي بلعباس وجمال بن صابر والجيلالي بوجمعة من مستغانم وغيرهم، وهي الآن تأتي بثمارها وسط ممثلي الجيل الجديد».
فالتكوين المسرحي المتقن والمحكم - حسبه - ضروري لإستمرارية المسرح، لأن الموهبة لا تكفي لوحدها في الوقت الحالي أين أصبح العالم يشهد ظاهرة جديدة تسمى بالفن المعاصر، والتي مست كل الفنون بما في ذلك الفن التشكيلي، الغناء وكذا المسرح أين أضحى من الضرورة التماشي والتطور الحاصل في العولمة والتكنولوجيا الحديثة، وهو ما استطاع مسرح سيدي بلعباس تحقيقه من خلال عديد الأعمال التي رسّخت لهذا النوع من الفنون المعاصرة كمسرحيتي «فالصو ونون» للمخرج عز الدين عبار.