رغم المجهودات القليلة قصد الاهتمام به

كتّاب وناشرون ينتقدون تحويل كتاب الطّفل إلى بضاعة تجارية

البليدة: لينة ياسمين

يكاد يتفق الداني والقاصي، الجامعي المثقف والناشر المختص، والكاتب المؤلف والمهتمون بالأدب عموما، من أنّ « دب الطفل» في صوره وأشكاله، هذا الفضاء الهام والفسيح بات سلعة تجارية، استقطب أناسا توجهوا إليه لأجل البحث عن الفائدة والربح المادي، و النتيجة الفاضحة و الصادمة ، أن انعكس ذلك على لون ونوع المنتوج الأدبي الموجه لفئة الأطفال، سواء كان كتابا أو مسرحية أو أنشودة وما إلى ذلك، وبات في نسبة محسوبة منتوجًا ضعيفا هزيلا مليئا بالأخطاء على صورها، يسوق للأطفال ويعرض في المكتبات على أنه إنتاج أدبي يحترم القواعد واللغة.
 «الشعب» استقصت أكاديميين مهتمين ومؤلفين في هذا، وعادت بكلام صادم واتهامات خطيرة، وأيضا بتثمين لمبادرات من المؤسسات الرسمية باهتمامها وعدم غفلتها عن منح اهتمام للطفل من خلال مسابقات نوعية ومشاريع تشجيعية واعدة لو تم الحرص عليها.
 د - لعماري أمحمد: حذار أطفالنا لا يميّزون
يستهل الأكاديمي الدكتور أمحمد لعماري رئيس المجلس العلمي لكلية الآداب واللغات لدى جامعة البليدة 2 كلامه في منهجية بأن الطفل الذي نقصده، هو ذلك الكائن الذي لم يبلغ بعد سن البلوغ، أي اقترب من سن الـ 14 الى 15 عاما، ويرى في هذا الجانب بأن فيه تأليف (ركز كأولوية على الكتاب) يحمل أفكارا خطيرة باتت تروج مثل «السموم» على عقول أطفالنا، ويفصل أكثر بأن هذه الأفكار تحمل معان «عدائية»، ومع مرور الأيام والاستهلاك غير المضبوط ستنتج «جيلا عدوانيا». وحسبه الطفل يستهلك كل ما يلتهمه عقله، لأنه ليس في مصاف الناقد الواعي المميز، يدرك ما يقدم ويعرض عليه، بل هو «يخزن تلك القراءات و يحاكيها في فعل سلوكي»، والأخطر حسبه أن بعض الكتابات باتت مثل السلع التي تروج في الأسواق، لا تختلف عن بيع الصابون أو الزيت أو الحليب، المقصد من وراء إنتاجها ونشرها هو جمع المال.
ولم يفوّت مثالا صادما وغير معقول، حينما قال بأنه في حديث مرة مع أحد المهتمين بالكتاب، صرح له ودون وجل ولا خجل ولا حشمة،
وقال له بأنه ينشر كتبا في أدب الطفل ويسوقها دون مراجعة ولا تمحيص ولا تحقيق، لأنه بصدد انجاز مشروع سكني، والمصاريف والديون أنهكته وأثقلت كاهله، يتمتم في عفوية ويقول: «هكذا صار أبناؤنا هدفا ولقمة سائغة لمن لا ضمير له». و يقاس على هذا الأنموذج في قطاعات وشؤون أخرى، حينما يهتم بالكم بعيدا عن المحتوى، وتُهمل فيها لجان القراءة من المخضرمين والمؤهلين من الاكاديميين.
الكتاب الإلكتروني الخطر القادم
 ولم يتوقف في الملاحظة والتنبيه، وأضاف وهو منفعل بأن الخطر اليوم بات الكترونيا على أبنائنا، وقال بأن أطفالنا تناولوا الطعم والأولياء غير مدركين للخطر، وفصل وفسر بأن الكتاب الالكتروني على المواقع الشبكية الافتراضية أصبحت تروج بالأرقام الحسابية الكبيرة، والمصيبة حسب الاكاديمي المهتم بأن مثل هذه المؤلفات الافتراضية تحمل فكرا غربيا أحيانا، بعيدا عن قيمنا وشمائلنا وعاداتنا وأخلاقنا وعرفنا، والطفل الصغير البسيط الفكر والتمحيص يتقمص شخصيات بطلة تظهر له في ملبس وفكر وسلوكيات بعيده عن هويته، والكابوس انه مع الزمن والطفل لا يدري يتبنى مثل تلك القيم الغريبة عنه ويجسده، إما في هيئته أو في افعاله وهو دوما لا يدري، وهنا المصير والمصيبة القادمة، يجد  الطفل الهاوي للقراءة خارج دائرة أبعاد الكتابة القصصية، التي تحاكي البعد الحكائي الشعبي أو الخرافي الأسطوري التربوي الرمزي، والديني الاجتماعي القيمي.
 الكاتب وصاحب مؤسّسة «التّرقية شلحة يخلف» بين الاعتزاز والصّدمة
بدأ الكاتب الشاب وصاحب مؤسسة واستوديو الترقية يخلف شلحة متفائلا ومبتهجا، حينما قال بأن الجهات الرسمية روجت لمشاريع تهتم بالطفل، وقدمت الدعم للمبدعين في الكتابة وأنشات مسابقات، تروج على مستوى المؤسسات التربوية الابتدائية، لانتخاب وترشيح افضل المواهب المشاركة في مثل هذه المسابقات النوعية، وقال هذا الاهتمام الرسمي بمثل هذه التظاهرات والجوائز بالنسبة له «مفخرة يعتز ويثمنها، ولا يقصر في الشكر والامتنان»، لكن يستوقف ويعود بالاعتراف، ويقول أن الساحة الادبية المهتمة بادب الطفل على العموم تبدو قاحلة من حيث الانتاج النوعي، الذي تركز  فيه الكتابات والمؤلفات عموما على الرقي بالطفل وفكره وخياله، وتزرع فيه القيم وحب الوطن، «الطفل اليوم وغدا هو وقود  المستقبل»، يبني الوطن ويشارك في تنميته بالسلوك الحضاري الذي تم غرسه فيه، يقول شلحة يخلف، وأضاف بأن الجزائر تملك اليوم 70 بالمائة من الشباب، فهي في الغد القريب ستتحول الى بلد يملك 70 بالمائة من الأطفال، وهو المستقبل الذي تراهن عليه الدول والامم، فأن تبني أمة من جيل تغرس فيه كل قيم جميلة وفاعلة، هو الحاضر والمستقبل، والطفل يمكن أن يستلهم تلك القيم من الانتاج الأدبي التربوي المميز والمدروس والممنهج، الذي يكون في ثوب  قصة أو مسرحية أو أنشودة وما إلى ذلك. ويرى بأن الكتاب اليوم على سبيل الحصر، لم يلق التشجيع الكافي فهو حسبه قليل، بدليل أن فيه دور نشر جادة أغلقت وحولت نشاطها إلى نشاط تجاري صرف، لأن الدعم المادي أفشل مشاريعهم، في وقت الطفل اليوم هو «مشورع استثماري جاد»، لاننا اليوم في استثمارنا في هذه الشريحة العمرية، فإن المستقبل يعد بانتاج وتخريج أجيال مبدعة فاعلة تحرص على العمل الجاد، وتبحث عن الارتقاء والتحليق في سماء الأوائل. وأخطأ من يعتقد أن ليس للكتاب مثلا دورا في النهوض وإنجاب اجيال من معدن نفيس، فالغراس الجيد في تربة خصبة يعطي ثمرا حلوا وكثيرا.
وفي سياق الحديث مع صاحب مؤسسة الترقية، كشف أنه طرح في السوق منتوجا أدبيا أسماه «حكايات عمي مختار للصغار الشطار»، وهي حسبه مجموعة قصصية هادفة جديدة، موجهة للأطفال بالخصوص الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 06 والـ 14 عاما، وعن مضمونها قال: «هي خيارات لشخصيات تتحدث بلسان الحيوان والحشرات، لأنه في العادة والمعروف أن الطفل ميال في التأثر والفهم وتعلم الحكم والعبر من لسان الحيوان، فخيال الطفل غير خيال البالغ الراشد»، وأضاف: «هي عموما مضامين تربوية تتكلم عن العمل واتقانه، وصفات القائد المحب لعمله ولفعل الخير من أجل الجماعة، مثل ما يظهر ذلك في قصة «نحلولة القائد القدوة والشجاع»، والتي تحث على التفاؤل والتحدي الايجابي، وعدم اليأس والفشل حتى وإن تعرض الإنسان الى حوادث تعيقه على مواصلة العمل مثلما كان عليه، وتهتم بجوانب الأدب والاحترام والأدب في الكلام والتعامل مع الناس، وبغض الأنانية والصبر على المكاره والثقة في النفس وشكر من يحسن الينا والتعاون، وهي القيم التي أردنا أن نعزّزها في نفسية القارئ الصغير حتى ينشأ مدركا وواعيا للمبادئ التي يجب أن يكون عليها، مزيّنة في قوالب من الأدعية التربوية التي نجدها في سنّة رسولنا الحبيب ــ صلى الله عليه وسلم ــ يختم المتحدّث.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024