الجمع بين البساطة والبلاغة في التّراكيب

الطّفل يعي خلفيات المواضيع أكثر من الرّاشد

سوق أهراس: صحراوي ــ ح

ينفر من الأسلوب السّطحي المعقّد، ويميل للأسلوب المباشر

أدب الطفل حسب المختصين في علوم اللغة والبلاغة يعتبر من الألوان الأدبية الحديثة ذات الصيت الكبير، ينعكس هذا الأدب حديثا في العديد من الاشكال اللغوية المقروءة والمكتوبة والمسموعة المرئية الموجهة بصورة خاصة لفئة الاطفال، وبالتالي تأخذ طبيعة اللغة التي ينظم بها أدب الطفل صورة في غاية الدقة التي تراعي العديد من الابعاد التي يتميز بها الطفل، أغلبها أبعاد نفسية ترتبط بعمره وكذا ذوقه وأحاسيسه، مع الحفاظ على خصوصية الجمال الإبداعي الذي يرتبط بنفسية الطفل المرحة، التي تبحث عن اللعب والترفيه وكذا التسلية.
من زاوية أخرى الابداعات الادبية غالبا ما تقترن بقوة الأسلوب وسحر الكلمة وعمق المعاني، ما يكسب القصة الأدبية شيئا جماليا يقترن بدرجة الوعي والذكاء، اللتان غالبا ما يتحكم فيهما عامل السن لدى الفرد، لكن الطفل مجاله العمري محدود، وبالتالي يصطدم الكاتب الأدبي للأطفال بهاته المفارقة في كتاباته، فهو يبحث عن التميز ليكتب للطفل شيئا جميلا له من القوة والمعاني والايحاءات، وفي نفس الوقت يجد نفسه أمام مراعاة محدودية التفكير لدى الاطفال دون الإنحدار للسطحية والبساطة المخلة بالمعاني في كتاباته، لأنه بقدر ما يكون الطفل لا يحب التعقيد فيما يكتب من قصص وروايات موجهة إليه، بقدر ما له من الذكاء وقوة الإستعاب الكبيرة في المقارنات والإسترجاع والإعتماد على الذاكرة القوية الخام.
من هذا المنطلق، يقول الدكتور كبلوتي كندوز أستاذ اللغة العربية بجامعة محمد الشريف مساعدية سوق أهراس، أن الكتابة للطفل هي من أصعب أنواع الكتابات، بل هي من النوع السهل الممتنع الذي يأخذ بعين الاعتبار العديد من الأبعاد الهامة طيلة اطوار النظم والتركيب والتأليف.
يجب على الكاتب أن يراعي الطفل أولا، ككائن بشري له مجال عمري ينتمي اليه،وهذا مهم جدا، بل هناك في هذا المجال فئات عمرية متعددة غالبا ما ترتبط بالأطوار التعليمية الثلاث المتعارف اليها، من الطفولة الصامتة إلى فترة المراهقة وهي أصعب الفترات وأكثرها حيوية لأنها تدخل إلى مرحلة الشباب وهي الذروة العمرية للانسان في بناء مدركاته ومعارفه وكذا شخصيته الاجتماعية.
الأمر الثاني في هذا الموضوع الحساس هو اللغة كوعاء ثقافي فكري في البيئة الإجتماعية للطفل، يجب أن يراعي كاتب أدب الطفل المستوى اللغوي للأطفال، وليس التراكيب اللغوية المجردة فحسب، بل يجب أن ترتبط بمجاله الثقافي، فطفل الريف مثلا يختلف عن طفل المدينة في المعطيات الثقافية، وطفل المهجر يختلف عن طفل الوطن الواحد في الخلفيات اللغوية والثقافية.
أيضا المعاني اللغوية للأطفال، غالبا ما نجد بعض القصص المكتوبة باللغات الهجينة التي لا تميل لا الى الفصحى ولا الى العامية، ما يعطي لنا أجيالا هجينة أيضا على مستوى الألسنة اللغوية، وهذا ربما إشكال آخر، لأن الكتابة للطفل كما سبق ذكره يجب ان تراعي بصورة أولية المستوى التعليمي للطفل، لأن مستوى الادراك اللغوي للطفل مهم جدا، فكيف تكتب لفئة عمرية بلغة ليست لغة من مستوى هاته الفئة؟
تدعيم الكتابة الأدبية للطّفل بالصّور السّمعية البصرية
فرضت الوسائط الحديثة للإتصال العديد من المتغيرات الجديدة على ما يعرف بأدب الطفل، فهاته الوسائط الاتصالية الحديثة حركت في الطفل الحواس، وتلقي المعرفة عن طريق الحواس بدل العقل والاستعاب والتفكير والقراءة  وبالتالي أصبح الطفل يميل إلى كل ما هو مسموع ومرئي من خلال ولوجه شبكة المعلومات العالمية الانترنت، ومختلف الشبكات الاجتماعية للإتصال، معتمدا على حاستي السمع والبصر، من خلال متابعة الفيديو والصور المتحركة والصور الثابتة، ومختلف الجماليات التي ترتبط بهاته الصور السمعية البصرية وخاصة سحر الألوان التي في الغالب تحاكي الواقع في مختلف تفصيلاته.
لهذا يجب أن يراعي الكاتب لأدب الطفل المعلومات التي يتلقاها عن طريق حواسه،بل لا يمكن أن يهمل دور وسحر الصورة إلى جانب الكلمة اللغوية في الكتابة، وهذا بعد هام جدا، فالروايات والقصص الموجهة للأطفال يجب أن تربط بين النص المقروء والصورة المرافقة له، سواء كانت مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، خاصة فيما يتعلق بالكتابات القصصية أو تلك التي تعرض على شاشات التلفزيون من برامج الرسوم المتحركة، والرسوم الغير متحركة مثل قصص الانبياء.
فالصورة تعتبر محفزا كبيرا، ومثيرا فكريا لكي يقبل الطفل على متابعة وقراءة ومشاهدة مادة موجهة اليه، وهذا ما نراه في أغلب الاحيان لما نصطحب ابناءنا الصغار معنا الى المكتبات العمومية، نجدهم ينتقون القصص الموجهة للأطفال بأعينهم وليس بقراءتها، فهم يتصحفحونها تصفحا بصريا عرضيا، ينم عن البحث عن شيء يريح النفس ويسليها في هاته القصص. وبالطبع هذا لا يكون سوى من خلال الصور، إذا تعتبر الصور في ما يكتب للطفل إن صح التعبير طعما يوضع للطفل من أجل اقتناء هاته القصص، ولما يرتبط قوة الصورة وجودة اللغة ووضوح الأسلوب ، يعطي للمادة الموجهة للطفل قيمة ثقافية كبيرة.
مواقع التّواصل الإجتماعي وتشويه اللّغة التي يكتب بها للطّفل
ونحن نتصفّح مواقع التواصل الاجتماعي، غالبا ما تستوقفنا العديد من التعابير الساخرة، الساذجة في الغالب، والتي تستند الى السطحية، والبلاهة في توصيل المعاني عن طريق المتناقضات، وبلغة هجينة مشوهة، لا هي فصحى ولا هي عامية، ولا هي من اللغات الأجنبية، حتى رسم هاته الكلمات يكون أيضا هجينا يجمع بين الحرف العربي والحرف اللاتيني ونسبة كبيرة منها تكون رموز وأشكال هندسية، لها بعد كاريكاتوري أكثر منها صور لغوية واضحة، لكن من زاوية أخرى نجدها المادة المفضلة لدى فئة الاطفال، فهم يتبادلونها بوتيرة كبيرة فيما بينهم على مستوى هاته المواقع الإتصالية، بل يتفننون في الإبداع في تأليفها وإسقاطها على الواقع المعاش وعلى الشخصيات التي نتعامل معها يوميا، بل أحيانا هاته المنشورات المتبادلة والتي في الغالب نجدها بطاقات الكترونية مصممة بسطحية عن طريق الفوطوشوب ساخرة، ظاهريا مسلية، تحمل فيها سحر الفكاهة والضحك والسخرية، لكن في مضمونها البنائي هي نظم لغوي مشوه، انحدر باللغة والاسلوب والكلمة الى الحضيض.
بل الأدهى من ذلك لا يوجد لها أي تصنيف في الألوان الأدبية المتداولة والمتعارف عليها، والغريب أنها باتت تأسر قلوب الاطفال وتستهويهم، بل تتعدى حتى إلى الكبار، وما زاد من شهرة هاته المنشورات الالكترونية على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي هو خاصية التفاعل والتبادل على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، وظهور دلائل المشاركة في التعليقات المتبادلة على مستوى الحسابات الشخصية لهاته المواقع، وهو ما يعطي القيمة المهمة لهاته المواد المنشورة ومن أمثلتها طالما استوقفتنا منشورات تقول مثلا: «قال هتلر .....»، وتسقطها على واقعنا المعاش كتعبير ساخر، لتلحق بصور ورسوم ساخرة.
هنا على الكاتب لأدب الطفل أن يأخذ بعين الاعتبار هذا البعد المهم في كتاباته الحديثة للطفل، حتى لا يظهر أمام الطفل أنه يغرّد خارج السّرب، فالطفل باتت هاته المواقع الاجتماعية هي واقعه اليومي المعاش، بل أصبح يستند إليها في مختلف قيم الترفيه والتسلية والمشاركة والقراءة، لهذا عمقت هاته المنشورات الالكترونية من عناصر السطحية فيما يقرؤه الطفل.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024