هناك إجماع لدى المشتغلين بمجال الأدب والقصة أن الكتابة للطفل تعتبر من أصعب الخيارات التي قد يلجأ إليها كاتب ما في محاولة لاكتشاف أغوار هذه الشخصية المليئة بحب الاطلاع والاكتشاف والنزول إلى مستوى تفكيرها البسيط البريء، لكنه عالم لا يهدأ عن الحركة والسؤال من باب الفضول لاكتشاف ما حوله، ومن هذا الباب ربما فضل الكثير من الكتاب التريث وعدم المغامرة في تقديم أعمالا أدبية قد لا تحيط بكل جوانب هذه الشخصية ولا تلم بعوالمها على تقديم كتابات سطحية ومشوهة ستنال دون شك قسطا كبيرا من النقد على حساب التبجيل.
حتى الكتابات الإعلامية عن الموضوع لم تهدأ هي الأخرى في تقديم تخمينات وتصورات عن واقع كتابة الطفل، وكذا أسباب قلة كتاب هذا النوع من الأدب في الجزائر بالخصوص الذين يعدون على الأصابع وإشكالية الخروج من هذا الفراغ الذي لن يبقى بالتأكيد حيزا محصنا أمام موجة العولمة الفكرية والأدبية في زمن الانترنت والعالم الافتراضي، الذي كسر الحدود وسابق الزمن لملأ كل الفراغات التي تنازلت عنها الثقافات المحلية ولم تعط لها وقتا كافيا للملمة أجزائها نظير غياب نخبة فعلية تنظر إلى الموضوع بنظرة نقدية استشرافية للمستقبل لا الاستسلام والركون لحالة الوهن التي تعيشه الأسرة الأدبية التي لا يزال الجزء الأكبر منها حبيس موقفها الأزلي الناقد لصندوق دعم الإبداع لوزارة الثقافة وربط مصيرها بما تجود به الهيئات الرسمية على تقديم مبادرات وخيارات أخرى يمكن أن تساهم في إنعاش الساحة الأدبية الجزائرية ومنها أدب الطفل.
وبما أن الموضوع أيضا ليس بجديد وقد أسيل حوله الكثير من الحبر، حاولنا نقل تفاصيله إلى احد الوجوه الأدبية المعروفة على الساحة الوطنية، وهو الكاتب ومدير الثقافة الحالي لولاية بومرداس جمال فوغالي الذي وضع بالفعل الأصبع على موقع الداء لكنه ترك مجال الحلول مفتوحا إلى ما لا نهاية، حيث أرجع سبب قلة الأعمال الأدبية المخصصة للطفل إلى «خصوصية شخصية الطفل وعالمه المتفرد الذي تحتم على هذا المشتغل أن يكون ذا ناصية في مجال علم النفس الاجتماعي قبل أن يكون أديبا وكاتبا حتى يستطيع فهم اتجاهات الطفل وما يرغبه، وبالضبط وصولا إلى مرحلة الكسب والبناء بما يخدم مستقبله داخل وعاء الثقافة الجزائرية بكل زخمها وأبعاد الهوية الوطنية.
ورغم تأكيد الكاتب بوجود أسماء لامعة في ميدان كتابة الطفل سواء عربيا أو في الجزائر، إلا أنه اعترف «بوجود تقصير وقلة المؤلفات المتكاملة الموجه للطفل، وأخرى قدمت بطريقة متسرعة لم تراع عنصر المفاجئة التي ينتظرها الطفل ولا حب التساؤل المستمر والمتواصل، بل ذهب أكثر من ذلك عندما وصفها «بكتابات استسهلت شخصية الطفل واستصغرت عقله وتفكيره ولم تحترم عواطفه وحملت الكثير من الأخطاء والصور الباهتة التي لا تثير اهتمامه وستؤثر سلبا على مستقبله وتنشئته الفكرية والثقافية المتزنة..».
في سؤال عن هواجس العولمة والاحتياطات المتخذة لتحصين الطفل الجزائري وتحضيره تدريجيا لاكتشاف العوالم الثقافية الأخرى، أكد جما فوغالي بالقول «نحن مستهدفون من جهات مختلفة، وبالتالي علينا أن ندرك حجم المخاطر المحدقة بنا وأجيالنا المستقبلية لذلك، وجب تحصين خصوصياتنا الثقافية المحلية التي قد تمنعنا من سيل العولمة..
في الأخير دعا الكاتب الأولياء والأسرة إلى تحمل جانب من أعباء هذه المهمة بتحبيب القراءة لدى الطفل وحسن اختيار المنشورات والإبداعات المفيدة التي تساهم في إثراء ملكته الفكرية وتنمية عقله وشخصيته، كما دعا القائمين على قطاع التربية أيضا إلى تحمل الجزء المتبقي من المسؤولية عن طريق تفعيل الأنشطة الثقافية والفكرية وإعادة النظر فيما يقدم للطفل بما يتماشى وتحديات المرحلة في زمن العولمة.
واقع كتابة الطّفل في الجزائر
أقلام تعد على الأصابع وأخرى استصغرت شخصيته
بومرداس: ز ــ كمال
شوهد:542 مرة