“الشعب” ترصد آراء المواطنين والمثقفين في القرار

استعادة وزارة الثقافة لدور السينما أمر انتظر طويلا

استطلاع: سميرة لخذاري

رحب الجمهور العاصمي وأولئك الذين ارتبطت يومياتهم بالشاشة الكبيرة بقرار إعادة قاعات السينما إلى وزارة الثقافة بعد إسناد ملكية عديدها في سنوات مضت إلى البلديات، حيث اكتشفت »الشعب« في جولتها الاستطلاعية بالعاصمة الوجه الحقيقي للمواطن الجزائري المحب لفنه، الذي أبدى رغبته الكبيرة في إعادة الحياة لهذه الفضاءات، وبعث السينما بعد أن طالت المسافة بينهم وبينها.تراوحت آراء المواطنين، الذين التقت »الشعب« بهم في جولتها الاستطلاعية بالعاصمة قصد الوقوف على الحالة التي تشهدها اليوم قاعات العرض بالخصوص تلك التي كانت مدرجاتها تعرف حضورا مكثفا للجمهور من مختلف الشرائح العمرية، في سنوات تميزت ببرنامج ثري في الفن السابع طبعته مواعيد متعددة خلال الاسبوع الواحد، اضافة الى جس نبضهم فيما تعلق باسترجاع وزارة الثقافة لقاعات السينما بعد القرار الاخير الذي سعت ذات الوزارة الوصية منذ سنوات على الحصول اليه.
قادتنا رحلتنا في البداية الى قلب العاصمة حيث يتواجد عدد كبير من دور العرض، وكانت محطتنا الأولى قاعة »ريجون« بشارع العربي بن مهيدي، التي اصبحت اليوم تستقطب زبائن ومشترين بدل الوفود الكبيرة من الجماهير التي توافدت اليها بطابعها السينمائي، واثر تقربنا من سكان ذات الشارع لاحظنا حسرة وتاسف كبيرين مرسمين على وجوه محدثينا، خاصة اولئك الذين عايشوا السنوات الذهبية للفن السابع، منهم رجل يبلغ من العمر 62 سنة، حيث اكد لـ»الشعب« ان القاعة كانت متنفسا ووجهة مفضلة للمواطن الجزائري بهدف الترفيه من جهة، والقضاء على روتين العمل والخروج بزاد ثقافي من جهة اخرى، ليتساءل وبلغة متألم عن الوضع الذي آل اليها هذا النوع الفني، عن اسباب الركود.
الانترنيت حطم احتكاك العائلات وفرض انزواء افرادها
ومن جهته عبرت لنا امرأة في العقد السابع من عمرها عن اسفها عن الحالة المزرية التي حالت بـ»ريجون«، حيث قالت انها كانت مقصدها مع اولادها لما كان الفن السابع الجزائري بخير، مؤكدة ان غلق مثل هذه الفضاءات او تغيير نشاطها ساعد بشكل كبير في انطواء المواطن على نفسه وفرض عزلة حقيقية للعائلات التي كانت، حسبها، فيما مضى أسرة كبيرة واحدة، قائلة »قاعات السينما جمعتنا كعائلات وصديقات كثيرا وخلقت لدينا مواضيع للحديث خاصة انها كانت تتكلم بلسان المجتمع الجزائري، اما اليوم فللاسف الانترنيت جعلت كل فرد في العائلة يعيش لنفسه ولوحده«.  
فيما ذهب مواطنون في حكمهم على قاعات السينما اليوم إلى موتها الاكلينيكي، ابتداء من العشرية السوداء، وباغتنا أشخاص بسيل من الأسئلة بمجرد أن علموا بقرار استرجاع وزارة الثقافة لقاعات السينما، فهناك من رأى ضرورة التفكير في مصير المسيرين للقاعات التي غيرت نشاطاتها كأن تكون محلات او غيرها، ومنهم من رأى ضرورة عودة المياه لمجاريها، بنسب هذه الفضاءات لاهلها وابنائها المختصين الذين من شأنهم تسييرها بالطريقة المثلى من حيث العروض والمعايير المعروفة عالميا في دور العرض، على رأسها وضع ملصقات كبيرة والاعلان عن المواعيد، حتى يتسنى للمواطن تنظيم وتقسيم وقته بما ينفعه ويريحه، بما يضمن لقاعات السينما بالعودة الى احضان محبيها.
ومن لا يعرف قاعة »لو باري«، التي مرت عبر شاشتها عديد الافلام، وجلس على مدرجاتها جمهور غفير، ها هي اليوم تفقده، رغم مباشرتها وسيرها بطابع سينمائي، فقد استأجرت، حسب ما اكده مواطنون لـ»الشعب«، لاحد الخواص، وبحكم جهله لعالم السينما والغوص في عالم التجارة، فقدت القاعة بريقها، لتصبح تعرض افلاما باسلوب بعيد عن المعمول به في هذا الحقل، مؤكدين ان هذه القاعة اليوم معروفة الا عند جمهورها القديم، اما اليوم فاقل شيء تعتمده هذه الاماكن للاعلان عن فيلم ما تفتقده، ويتعلق الامر بالملصقات، وهنا يتأكد رأي السينمائيين الذين يدعون الى اسناد قاعات السينما الى اهل الاختصاص، وعلى رأسهم احمد بجاوي، الذي اكد على هذه النقطة من منبر »ضيف الشعب«.
شواهد عن تاريخ
البلاد تعيش آهات..
ونحن في جولتنا الاستطلاعية، اخذنا نبحث على شواهد عن تاريخ السينما الجزائرية، التي عاش اثرها المواطن لحظات ترفيه، وثقافة، واندماج مطلق في واقعه المعيشي داخل مجتمعه، قاعات تعد بمثابة رموز لثقافتنا الوطنية، سرقت انظار المشاهد من خلال كبرى الاعمال التي عرضتها، واستقطبت كبار الفنانين العرب والجزائريين، هي تلك الفضاءات التي وقف على خشبتها فريد الاطرش، ماجدة الرومي، وسينمائيين معروفين عالميا، الا انها اليوم تعيش اهات، جراء الاهمال والتجاوزات التي مستها.
وانت تسير بشارع عبان رمضان تلفت نظرك لافتة كبيرة مكتوب عليها »دنيا زاد« تعود الى عائلة المنصالي،  اشتهرت في السبعينيات والثمانينيات بالتمثيليات القصيرة التي استهواها الجمهور في تلك الفترة، غير انها اليوم تعيش حالة مزرية، بقيت الا جدرانها شاهدا على الافلام والمشاهدين، حيث قال لـ»الشعب« رجل تجاوز عمره العقد السابع، »لا نلوم الشباب في ابتعاده عن السينما، علينا ألا نتجاهل ظلم قاعات السينما وحالها الذي نفر الجمهور وزاد الطين بلة«.
الفيلم آخر مبتغى واتخاذها
فضاءات للراحة هو الهدف..
واصلنا جولتنا بشارعي ديدوش مراد والعربي بن مهيدي، اين تتمركز كبرى قاعات السينما واشهرها، لتجد نفسك في حسرة وتاسف كبيرين، تلتقي بقاعات ما تزال تنشط في الحقل الفني، الا انها لا تختلف عن مثيلاتها المغلقة، لا تستجيب لمعايير دور السينما، تعرض افلاما بمعدل ثلاث واربع مرات في اليوم، وكان لبعض سكان ديدوش راي اخر، حيث اكد جلهم لـ»الشعب« ان هذه الفضاءات اصبحت مرافق راحة، اصبح العديد يتوقف عندها بحثا عن القضاء عن التعب، خاصة في فصل الصيف حيث المكيفات، وليس بحثا عن الفيلم او السينما، وهنا وصف شاب يتجاوز عمره الثلاثين سنة هؤلاء المتوافدين بـ»اشباه الجمهور«، قائلا الكثير يتخذ قاعات السينما اماكن للقيلولة، والا وكرا لاعمال مخلة بالاخلاق، الشيء الذي جعلني مثلا كشاب امنع اختي من دخولها.
ولا تختلف بعض القاعات بحسين داي، منها »رويشد« التي غلقت ابوابها، حسب شابة يتجاوز عمرها الثلاثين، خلال العشرية السوداء، ثم عادت لتحتضن جمهورها بعد عام 2000، ليكون آخر عرض شاهدته بها مونولوغ لدليلة حليلو، وعبرت ذات المتحدثة لـ»الشعب« عن املها في عودة هذه القاعة من بعيد، للتبنى مرة اخرى محبيها.
اما قاعة »نجمة« بشارع الطاهر بن سنوسي بحسين داي، التي اغلقت ابوابها منذ اكثر من عشر سنوات، فقد ادمجت ضمن مشروع 100 محل بكل بلدية، حيث اعتبر بعض سكان هذه الجهة من العاصمة مساس بحق السينما الجزائرية وفضاءاته، منتظرين الشيء الايجابي من القرار الاخير المتعلق باسترجاع وزارة الثقافة لقاعات السينما.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024