حزن عميق ميّز تأبينية الأديب عبد الوهاب حقي بالجاحظية

“جدّو حقي”.. مناضل نذر حياته للغة والأدب

أسامة إفراح

احتضن مقر الجمعية الثقافية “الجاحظية”، أول أمس السبت، تأبينية الأديب عبد الوهاب حقي، الشهير بـ«جدو حقي”، الذي توفي في التاسع عشر من سبتمبر الفارط. واجتمع محبو الفقيد ورفقاؤه وجمعٌ من عائلته، ليستذكروا خصاله ويستحضروا أعماله ونضالاته.. وقد أشرف على التأبينية رئيس الجمعية محمد التين، وعرفت حضور ابني أخ المرحوم، وإعلاميين وأدباء أمثال الشاعر عبد القادر الأخضر السائحي والإعلامي سعد بوعقبة.

وفي حديثه لـ«الشعب”، وصف محمد التين الفقيد بأنه “علم من أعلام الأدب والساحة الثقافية بالجزائر”، مضيفا بأن الرجل “خاض الحياة كمثقف ومجاهد في آن واحد، فعبد الوهاب حقي الذي ولد بالشام، ألّف هناك مسرحية “جميلة” وكلنا نعرف موقع الجميلات الثلاثة في الثورة، وقد ترحّلت هذه المسرحية وجالت في مختلف العواصم، وعرّفت بالقضية الجزائرية، وكشفت القناع عن الأساليب الوحشية للاستعمار”.
وبعد الاستقلال مباشرة التحق ككل الجزائريين بوطنه، يقول محدثنا، فالفقيد من العائلات الجزائرية التي هجّرت في القرن التاسع عشر إلى خارج الجزائر، عكس ما يظنه البعض من أنه سوري لا جزائري. ثم التحق بالتعليم في الجزائر ولكنه ظلّ حاضرا في الساحة الثقافية على مدى الخمسين سنة من عمر الدولة الجزائرية الحديثة، “كان شاعرا ويؤلف للمسرح ثم ولّى وجهته للكتابة للأطفال وكان من أول المبادرين لهذا النوع من الكتابة في الجزائر”، يقول التين، مضيفا: “وبفضل جهوده بدأ الاهتمام بأدب الطفل، ونلاحظ الآن أجيالا في هذا النوع الأدبي في مختلف مناطق الوطن، عدا ذلك هنالك الكثير من الأدباء الشباب الذين تكونوا على يده في هذا النادي، نادي الجاحظية، في مجال الكتابة للطفل، والقصص المرسومة، وعلى يده أيضا تكوّن عدد من الأدباء الذين يهتمون الآن بكتابة السيرة الذاتية للشهداء في أسلوب قصصي موجه للأطفال، وهذا يتم بالتنسيق بين جمعية الجاحظية والمتحف الوطني للمجاهد”.
كان أيضا مناضلا من أجل القضية الوطنية وبالأخص الهوية في بعدها العربي الإسلامي، وكان دائم الحضور في الساحة، وجدناه في المسيرات المنددة بزيارة السادات في السبعينيات للكيان الصهيوني، وفي الاحتجاجات المناهضة للعدوان على العراق، وفي النضالات التي خاضها الجزائريون من أجل التعريب، وحتى لما تقدّم به السن كان دائما من الأوائل الذين ينزلون إلى الساحة في الموعد.
وعن سؤالنا إذا ما كانت الجمعية تفكر في استحداث جائزة في أدب الأطفال تحمل اسم عبد الوهاب حقي، قال محمد التين إن هذا أمر ممكن جدا وسيتم دراسته.
وقبل ذلك عرفت هذه السانحة مداخلات لفريـال وفيصل حقي، وهما ابنا أخ الفقيد، ثم كلمات وشهادات لأصدقاء المرحوم.
وافتتحت ابنة أخيه فريـال كلمتها بالقول: “يا لقساوة القدر، ما أقسى الجرح على الجرح. أيها الراحل عنا، أيها الماثل بيننا، حينما يفقد الإنسان غصنا، ستفقد الجوارح فرح الحب، وتتحول الخضرة إلى صفرة قاتمة، ويتوقف نشيد الحياة في أوصال الأرض، وتخسر الجدار الذي تستند إليه، وتفقد السماء التي تجود بالحب والحنان، وتفقد المظلة التي تحميك من الشرور وتجعلنا وحيدين في مواجهة العالم”. وخاطبت الفقيدة داعية: “ارقد بسلام يا عمي الغالي، ببعادك ليس لي من أطوّقه بعد الغياب”.
فيما ابتدأ ابن أخيه فيصل كلامه ببيتي شعر للإمام الشافعي:
ومن نزلت بساحته المنايا
فلا أرض تقيه ولا سماءُ
وأرض الله واسعة ولكن
إذا نزل القضا ضاق الفضاءُ
وقال فيصل: أفتتح بهذين البيتين لعلّ الموت لا يكون سحابة صيف يطويها النسيان في ذاكرة أحباب الفقيد عمّي الأديب عبد الوهاب حقي، لأنه ترعرع بينكم ونما بفكره الوقاد تحت محبتكم، وقدّم عصارة فكره للجزائر، وردت له الجزائر كل جميل، كرمته في حياته وها هي تكرمه في مماته.
وتساءل فيصل: كان يسكن الجاحظية أم الجاحظية كانت تسكنه؟ ليردف بشعر آخر:
بالدمع أبكيك أم بالجفن أحميكَ
يا قاطن القلب إن الروح تفديكَ.. وداعا أيها الإنسان، ونتّعظ بما نقش عمر رضي الله عنه في خاتم أصبعه: كفاك بالموت واعظا يا عمر.
وتوالت الشهادات والكلمات المستحضرة لخصال الفقيد، وكان من بين أكثرها تأثيرا وتأثرا كلمة نادية عمران، التي عرفناها من خلال كتاباتها للأطفال، والتي استهلت كلامها قائلة “بالأمس فقط توفي أعز إنسان على قلبي، إثر مرض عضال ألزمه الفراش طيلة سنة كاملة، والأكثرية ممن كانوا يعرفونه لم يزوروه ولو مرة واحدة ليطمئنوا عليه، لذا أطلب ممن يقرأ كلماتي أن يدعو له بالرحمة والمغفرة”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024