من الصعوبة أن تجد وأنت تبحث عن بعض الإشارات المادية التي قد ترشدك إلى تقفي أثرا للموسيقة السنفونية بولاية بومرداس بين عدد من المراكز الثقافية التي تحاول باحتشام تنظيم نشاطات أو دورات تكوينية لفائدة الشباب، وبعض المواهب التي تبحث عن صقل إبداعاتها في الميدان تحت إشراف أساتذة مختصين في المجال الموسيقي الذي لا يخرج في الغالب عن النوع الشعبي، القبائلي أو العصري، هذا الأخير الذي بدأ يجذب إليه عدد من المبدعين الشباب وذلك راجع إلى جملة من الأسباب والعوامل..
رحلة بحثنا قادتنا بعد جهد جهيد واتصال مع مجموعة من الموسيقيين بولاية بومرداس، منهم الفنان الشعبي المعروف محمد روان الذي حاول إرشادنا إلى بعض الأساتذة المختصين في الموسيقى بعدما تعذر عليه الحديث عن موضوع يحتاج إلى أهل الاختصاص كما قال لنقوم بعد ذلك بالتوقف عند موهبة فنية متعددة الاختصاصات وهو الفنان والمخرج المسرحي عبد الرزاق قوادري المتحصل على جائزة علي معاشي لأحسن إخراج مسرحي لسنة 2012، وصاحب فرقة موسيقية في نوع الفلامينكو تنشط على مستوى دار الثقافة رشيد ميموني ببومرداس، كما يدير أيضا ورشة للتكوين وتعليم الموسيقى الكلاسيكية تتكون من حوالي 15 فردا، عبد الرزاق قوادري تجاوب معنا بسرعة لما عرضنا عليه الحديث عن واقع الموسيقى السنفونية ببومرداس وأسباب غيابها على الساحة المحلية وغياب فرق تنشط في هذا النوع من الموسيقى، حيث أرجع أسباب ذلك إلى طبيعة هذه الموسيقى التي تعتبر من أصعب الأنواع، حيث يتطلب نجاحها ـ كما قال ـ توفر ثلاثة شروط أساسية هي الطاقات والمواهب المستعدة لتعلم الموسيقى السنفونية، وجود مؤطرين ذو كفاءات على اطلاع كامل بخصوصياتها، وثالثا توفر الإمكانيات والوسائل الضرورة للعمل كالآلات الموسيقية الحديثة التي تفتقد إليها المراكز الثقافية ببومرداس، وبالتالي يستحيل مثلما قال في ظل هذه الظروف ظهور بوادر لإنشاء فرقة أو مركز للتكوين.
ولدى رده على سؤالنا عن الدور الذي تلعبه مديرية الثقافة بالولاية في مثل هذه الحالات كوصي للثقافة ببومرداس من أجل التكفل بكافة هذه الانشغالات المطروحة من طرف الأسرة الفنية المحلية، قال السيد عبد الرزاق قوادري معلقا.. أنا الآن ومنذ أكثر من سنتين اشتغل كمستشار ثقافي بدار الثقافة رشيد ميموني توصلت إلى قناعة راسخة مفادها غياب المتابعة وعدم الاهتمام الواضح من طرف المشرفين على القطاع الثقافي بالولاية للنهوض بهذا القطاع والتكفل بانشغالات الأسرة الفنية والمثقفين المحليين، كما أتساءل يقول ضيفنا عن دور مديرية الثقافة المسؤولة عن تنشيط وتحريك الساحة الثقافية انطلاقا من المهرجان المحلي للفنون الشعبية المشرف على تنظيم التظاهرات والأسابيع الثقافية التي أصبحت فارغة وبنفس الوجوه المشاركة دائما دون وجود نظرة مستقبلية واستراتيجية فاعلة في الميدان، أو حتى محاولة التكفل بالفرق المحلية وفتح الفضاءات أمامها للمشاركة في مختلف الفعاليات الثقافية من أجل وضع حد للنزيف الذي تتعرض له هذه الفرق، ومنها عدد من فرق الفلامنكو التي أشرفت على تكوينها بالتعاون مع الفنان الشعبي محمد روان، حيث اندثرت نتيجة غياب الإمكانيات ووالوسائل وعدم الاهتمام بها بتقديمها للجمهور الواسع، كما قال.
كما انتقد بشدة الوضع الذي تعيشه دار الثقافة هذا الفضاء الكبير الذي يحوي العديد من القاعات لكنها حاليا لا تقدم ما هو مطلوب منها نتيجة غياب الدعم المالي وضعف الميزانية السنوية التي لا تتجاوز 650 مليون سنتيم من أجل تجديد وسائل العمل منها الآلات الموسيقية التي تعرضت للتلف للمساهة في تكوين وجلب المواهب والطاقات الشبانية التي تزخر بها الولاية في مختلف التخصصات، وهذا عكس بعض الولايات المجاورة منها تيزي وزو التي تدعم بميزانية سنوية تقدر بحوالي أربعة مليارات سنتيم، على حد قوله.
وعن أسباب هذا الوضع المتردي الذي يعيشه قطاع الثقافة بالولاية، قال السيد عبد الرزاق قوادري أن ولاية بومرداس تعيش تهميشا كبيرا من طرف وزارة الثقافة التي لا تعير اهتماما لهذا الواقع يقول محدثنا متسائلا عن غياب حضور ممثلين للوزارة منذ أكثر من سنتين بدار الثقافة للاطلاع على الوضعية المتردية على الرغم من التقارير المرفوعة في هذا الشأن للتكفل بانشغالات الأسرة الفنية والثقافية، والأخذ بيد الطاقات الكبيرة في مجالات المسرح، الموسيقى، السينما وغيرها من الفنون الأخرى بتوفير الفضاءات والقاعات المهيأة، وعليه يقول محدثنا في النهاية، فإن الموسيقى السنفونية ذهبت ضحية لوضع غير ملائم ومناخ يستحيل من خلاله انتاش هذه البذرة الموسيقية التي تتطلب شروطا وظروفا مواتية، لا وضعية متقهقرة كالتي تعيشها بومرداس بإمكانيات مادية ضعيفة وفضاءات ثقافة لا تتعدى ثلاثة مراكز لـ 32 بلدية.