القاصة غزلان الهاشمي:

للأدب الالكتروني حضور مركزي لا يمكن إنكاره

هدى بوعطيح

ترى القاصة غزلان الهاشمي أن النشر الالكتروني في الجزائر مثله مثل النشر الالكتروني في الدول العربية، خاضع للسياق العام وللتحولات الحاصلة على مستوى البنى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مشيرة إلى أنه تمّ تغييب الرقابة المعيارية فاستطاعت الكثير من النصوص أن تخلق زمنا إبداعيا محايثا للزمن الإبداعي الرسمي.

وقالت غزلان الهاشمي في حديث لـ«الشعب”، إنها تحدثت سابقا عن واقعه في بحث موسوم بـ«النشر الالكتروني العربي بين تعارضان المركزية والهامشية”من خلال إحصاء جملة خصائص أهمها:
ـ اعتماده على هوية ملتبسة تتخذ من التعدد صفة أساسية له، إذ تمّ التحرر من هوية النص التقليدي وتهديم بنيته وأنساقه وصار النص الأدبي احتواء لجملة اعتبارات متضاربة، أو عبارة عن حوارية كرنفالية إن جاز لنا استعارة المصطلح من ميخائيل باختين.
ـ اختلاف اللغة بين المغرقة في التكثيف والترميز المشفر، وأيضا المبتذلة السطحية التي لا ترقى إلى المستوى المطلوب.
ـ اعتماد الإيجاز بسبب سرعة العرض وكثرة المتاحات، حيث التنافس يفضي إلى التقليص من زمن البوح والاكتفاء بالجملة الخاطفة أو الصورة اللامحة، إلى جانب الاعتماد على البعد الاستعاري باستخدام المتعالقات النصية، من خلال وضع صورة أو رابط أو فيديو يختصر الزمن الإبداعي، ويعوّل على القدرة الذهنية للمتلقي في استيعاب رمزية هذه المتعالقات المكملة للنص الأدبي.
ـ الارتكاز على قيم ضبابية غير واضحة من أجل إغراق الذائقة العامة في نوع من الدهشة التي يفرضها اللاتحديد، والانتقال من الواقع المتعين إلى الواقع الإشكالي وغير المتعين، ومن هنا يصبح النص جملة استفهامات مفرطة في الغموض والالتباس لا يقدم إجابة واضحة، وإنما صورة فوضوية عن هدف النص، مضيفة بأنه ربما هذه القيم المتغيرة يصبح معها من السهل ـ كما يقول علي حرب ـ “إلى درجة الاستسهال أن تكتب وتنشر، وعلى نحو تضيع معه المقاييس، ثمة أعمال روائية أو شعرية أو فلسفية، تنال أعلى درجات الثناء والتقدير من جانب النقاد، فيما آخرون لا يرون فيها سوى موجات تنشر السطحية والتفاهة والابتذال”، وهذا الأمر يؤدي إلى فوضى المعايير والمقاييس وفقدان الأمن الثقافي والأدبي والرمزي الذي تخلقه الهويات الثقافية الثابتة.
المواقع الإلكترونية وسّعت من مساحة التواصل
كما أكدت القاصة الهاشمي غزلان أن للأدب الالكتروني حضور مركزي اليوم لا يمكن إنكاره، وقد استطاع الحفاظ على هذا الحضور بسبب الامتيازات التي يقدمها إلى المبدع والمتلقي أيضا، من توسيع لمسافة التفاعل والتواصل، وتسهيل للنشر وتلقي المعلومة ودفع للمعوقات التي يخلقها النشر الورقي، معتبرة هذا الحضور يرتهن إلى درجة الوعي بالإمكان اللغوي واختلاق الإبداعية، إذ خطر الاستسهال والابتذال والتحرر المعياري إلى درجة الانحلال، كما السطو والخرق غير الممنهج يهدّد التموضعات الخطابية الإبداعية، ويهدّد الذائقة العامة أيضا ويشوهها، حيث ترى غزلان أن كل هذه السلبيات وغيرها تخفف من نبرة الاحتفاء بالأدب الالكتروني، وتجعلنا نحاذر من التقليل من قيمة الأدب الورقي، قائلة “رغم ذلك يظلّ لكل أدب حضوره وخصائصه ومكانته، كما أن راهنية اللحظة الزمنية وتحولاتها تفرض استيعاب أشكال تواصلية وإبداعية مغايرة”.
وعما إذا وجد الكُّتاب اليوم والمبدعين ضالتهم عبر شبكة الانترنيت، وأتاحت لهم فرصة التواصل فيما بينهم، ونشر أعمالهم وجعلها بين يدي فئة أكبر من القراء، أكدت المتحدثة أن شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وسعت من مساحة التواصل والاشتغال البيني لخلق راهنية إبداعية مغايرة، حيث أنها قدمت ـ حسبها ـ نموذجا فعليا للإنسان التواصلي الذي يتميز عن الإنسان العادي بفرديته الاجتماعية، “هو إنسان فرد مستوى الوعي لديه بحقيقة الجماعة ضئيل، لكن في الوقت ذاته يعلو الهوس الاجتماعي التواصلي على مستوى أناه ويتغلب عليه بتعويض حالة النقص في العملية التواصلية الواقعية من خلال التواصل الالكتروني”، وهو ما يعني تقول إن النص صار استهلاكيا آنيا فبمجرد طرحه وربما حتى قبل اكتماله يشهد تفاعلا بل ربما يسهم المتلقي في تشكيله وإيصاله إلى الصيغة النهائية بسبب الملاحظات المعدلة والرؤية التركيبية، عكس النص الورقي الذي يعلن إنجازه النهائي فلا يبقى للمتلقي إلا دور الرصد السلبي وفي أحسن الحالات التفاعل بعد نصي والذي لا يتيح للمبدع إعادة تشكيل نصه من جديد..
وبهذا ترى غزلان الهاشمي أن شبكة الانترنت وسعت من فرص الظهور لاحتفائها بأي ذائقة حد التنافر والتناقض، فلا إقصاء لأي مجهود ولا رقابة على أي منجز أدبي مهما بلغ من درجة الخرق الشكلي أو الموضوعاتي، وهذا ما جعل فرص التفاعل ـ من منظور المتحدثة ـ تزيد سواء بالرفض أو بالاعتراف، خاصة وقد نظمت هذه الطاقات نفسها في شكل مجموعات متخصصة في مواقع التواصل الاجتماعي أو في شكل مجلات وصحف متخصصة على شبكة الانترنت.
النص الجيد لغة وطرحا يفرض نفسه ورقيا أو الكترونيا
«لا يمكن إلصاق قضية السرقة الأدبية بالأدب الالكتروني”، هذا ما أكدته غزلان الهاشمي، مشيرة إلى أن الظاهرة عُرفت منذ القديم ولا يمكن إنكارها، لكن انتشارها بشكل لافت اليوم يرجع إلى مستوى الوعي وكذا انعدام الرقابة، وقالت “أعتقد أن خصائص الأدب الالكتروني تعقّد الوضع وتصعب من أمر الرقابة بل تجعلها في حكم الاستحالة”، وأضافت بأن سرعة الطرح وكثرة المتاحات والتعالقات النصية التي تختفي تحت مسمياتها معظم السرقات كلها تسهم في انتشار هذه الظاهرة، كما أن غياب صيغ قانونية تختص بتجريم سارق النص يجعل من السهل على المتلقي سرقة النص والإفلات من العقوبة، وأشارت إلى أن ذلك يبعث إلى  الحديث عن الوازع الأخلاقي الذي يحاول التخفيف من هذه الظاهرة لا كحل نهائي، لأن ذلك مستحيل وإنما كنصف حل إن جاز لنا تسميته بذلك.
وأكدت الهاشمي أن الكتاب الورقي مازال يحافظ على جاذبيته التي لا يستطيع إلغاؤها النشر الالكتروني، إذ معه تحس بحميمية التواصل والاستقبال، وبدقة التفاعل من خلال الوقوف عند محطات التساؤل طويلا، وهذا ما لا يتيحه النص الالكتروني المتعب للذهن والمشوش على الذاكرة، وتعتبر غزلان الاختزال والتبسيط سمة معظم النصوص الالكترونية، وهذا ما يجعل الباحث عن المعرفة الحقيقية وعمق الطرح والرؤية يهرب إلى الكتاب الورقي لتكتمل عنده الرؤية، لكن هذا لا يعني ـ تقول ـ تسطيح دور النصوص الالكترونية، إذ مستوى الوعي بخلق راهنية معرفية وإبداعية من خلال هذه العوالم الموازية زاد، لذلك نجد التصادم والتنافس واضحين بين النصوص الجيدة والنصوص الرديئة على صفحات الانترنيت.
وفي ختام حديثها اعتبرت القاصة غزلان الهاشمي النص الجيد لغة وطرحا يفرض نفسه، سواء كان ورقيا أو الكترونيا، لأن الورقي اليوم مع انعدام الرقابة أصيب بعدوى الابتذال والسطحية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024