أجمعت أقطاب ثقافية وفنية بولاية تيبازة على كون المنشآت الثقافية المنجزة ضمن فعاليات التظاهرات الثقافية الكبرى بالوطن، منذ سنة 2007 حين اختيرت مدينة الجزائر كعاصمة للثقافة العربية، تعتبر مكسبا ثمينا للأمّة، ولكن لا يجب إغفال حسن استغلال هذه المنشآت، عن طريق تثمين الكفاءات وانتقاء الأعمال ذات الجودة والنوعية، بعيدا عن أجواء الرّداءة والصّفقات المشبوهة، كما أنّ ذات التّظاهرات ساهمت إلى حدّ بعيد في تسويق صورة الجزائر الآمنة، والنّائمة على رصيد تاريخي وثقافي مميّز، يحق لها الجهر بالانتماء إليه، ممّا يمكّن من التّأسيس ليقظة سياحية واعدة بوسعها تقديم الإضافة اللازمة لمنظومة الاقتصاد الوطني.
❊ د ــ بوخليفة: “لا حديث عن استفادة الجزائريّين من التّظاهرات خارج توظيف المنشآت الثّقافية المنجزة”
قال الأستاذ بالمعهد العالي لفنون العرض ومهن السمعي البصري، الدكتور بوخليفة حبيب، بأنّه عندما نتحدّث عن أهم وأكبر التظاهرات الثقافية التي نظّمتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، بدءًا بتظاهرة السنة الثقافية الجزائرية بفرنسا سنة 2003، وانتهاءًً بتلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية سنة 2011، ومرورا بالجزائر عاصمة للثقافة العربية سنة 2007، نلاحظ بأنّ أهم مكسب يمكن الحديث عنه يكمن في تعدّد وتنوع البنى التحتية المنشأة في إطار ذات التظاهرات، وهي المكاسب التي يمكن استغلالها على المديين المتوسط والبعيد، ولكنّ المسألة التي طرحت نفسها بإلحاح ولا تزال، تكمن في تسيير تلك المنشآت من حيث إعطائها بعدها الثقافي المنشود، أما على المدى القريب فإنّ الأخطاء في تسيير مثل هذه التظاهرات لا تزال تتكرّر، من حيث عدم انتقاء الكفاءات المتخصصة لتسيير ملف التظاهرة، وهي الخطوة التي لابد منها لفرض النوعية، ناهيك عن تحقيق الوثبة المطلوبة لرسم معالم اليقظة الثقافية، وبناء رؤية ثقافية واضحة المعالم، يمكن استغلالها بصفة آنية للتقرّب من الجمهور العريض الذي ينتظر من مثل هذه التظاهرات منتجات ثقافية تليق بالمناسبة.
وعندما نتحدّث عن التّظاهرات السّابقة بشيء من الموضوعية، فإنّه لا يخفى على أحد بأنّ أهدافها تتخطّى مرحلة بناء الثّقافة الجزائرية، باعتبارها تحاول فقط التأكيد لغيرنا من الشعوب بأنّ الجزائر بخير وتنعم بالأمن والأمان في ربوعها العميقة، في حين أنّه عادة ما نسجّل عدم اهتمام العديد من الفعاليات الثقافية عبر الوطن بما يجري داخل التّظاهرة، ونأمل أن لا يتكرّر ذلك في تظاهرة قسنطينة مثلما عهدناه كذلك طيلة التظاهرات السابقة، إلاّ أنّ هذا الجانب يفترض بأن يحظى بقدر كبير من العناية لولا الأخطاء التي حصلت في تسيير ملف التظاهرة، والنّاجمة عن استبعاد الكفاءات منه، وكان من المفترض بأن تساهم الأموال المرصودة للتظاهرة في إعطاء دفع قوي لمسألة بناء الثقافة الجزائرية، والتي خسرت رهان استغلال فرص التظاهرات الثقافية الكبرى لإعادة بنائها من جديد من خلال تشجيع الطاقات المبدعة، واستبعاد الرداءة من الأعمال المعروضة، الأمر الذي يؤكّد دوما على أنّ النتائج ستكون سلبية على التنمية الاجتماعية وازدهار الثقافة الجزائرية. ويعتقد الدكتور بوخليفة بأنّه لا بأس من الاستنجاد بالتجارب الأجنبية الرائدة في هذا المجال، والتي تستبعد كلّ من يفتقر إلى مقاربة ثقافية واضحة من المساهمة في تسيير مثل هذه التظاهرات الهامة، التي تبقى بالرغم من ذلك أحداثا ثقافية لا يمكن التنازل عنها.
❊ تعوينت: “يجب أن يتواصل النّشاط الثّقافي خارج المواعيد الهامّة”
من جهته قال رئيس حركة المسرح بالقليعة، السيد يوسف تعوينت، بأنّ النشاط الثقافي ببلادنا قلّ مردوده وضعف شأنه خارج التظاهرات الثقافية الكبرى المنظمة خلال السنوات الأخيرة، وكان من المفترض أن يتواصل النشاط وبكثافة خارج هذه المواعيد الهامة على غرار ما هو حاصل بالبلدان الأخرى، وقد عشنا هذه التجربة بتظاهرة “الجزائر عاصمة للثقافة العربية” سنة 2007 حين سجّل زخم ثقافي كبير ونوعي طيلة سنة كاملة، إلا أنّ النشاط اضمحلّ وتراجع بشكل ملحوظ عقب انتهاء التظاهرة، والأمر نفسه بالنسبة لتظاهرة تلمسان، ومن ثمّ يجب استدراك الأمر غداة انتهاء تظاهرة قسنطينة، بحيث يمكن إثراء الثقافة الجزائرية ودعمها بقدر كبير من الإبداع مستقبلا، كما أنّه من بين القواسم المشتركة لمختلف التظاهرات الثقافية تكريس الرداءة في الأعمال المعروضة، الشيء الذي لا يمكّنه دعم وترقية الثقافة الجزائرية، وحتى المنشآت الثقافية المنجزة في إطار التظاهرة لن تكون ذات جدوى في حال عدم تسييرها مستقبلا من طرف متخصصين في المجال، يعملون على تشجيع الأعمال الجيّدة ويستبعدون الرديئة منها، وذلك ما كان يفترض بأن يشرع فيه منذ بداية التظاهرة.
❊ زيبوش: “ضرورة استدراك الفجوة بين الجمهور والمؤسّسات الثّقافية”
من جهته، أشار رئيس جمعية الهلالية للموسيقى العصرية زيبوش سليم إلى أنّه بالرغم من تنظيم عدد لا يستهان به من التظاهرات الثقافية الكبرى خلال السنوات الأخيرة، إلا أنّه لا يزال هناك مشكل عويص يطرح نفسه، هو بالتنافر الحاصل ما بين المؤسسات الثقافية والجمهور، فالجمهور لا يفهم ما تقوم به هذه المؤسسات، وهي أيضا لا تفهم ما يريده هذا الأخير، وبالنظر إلى كون الجزائر لا تحوز على مهرجانات كبيرة كثيرة تضاهي المهرجانات الأكثر شهرة في المنطقة، وكون سيرورة الفعل الثقافي أضحت تتناقص باستمرار من تظاهرة إلى أخرى، فإنّه لابد من استغلال التظاهرات المناسباتية لإبراز التميّز الثقافي الجزائري كما هو الشأن بالنسبة لتظاهرة قسنطينة، حتى يتمكّن الجمهور من استرجاع ثقته المفقودة في مختلف المؤسسات.
وفيما يتعلّق بالمكتسبات البارزة النّاجمة عن تنظيم مثل هكذا تظاهرات ثقافية، فإنّ أهمّها يتعلق بهيكلة المنشآت الثقافية والتاريخية كما هو الشأن بالنسبة لمدينة تلمسان التي تحوز لوحدها على أكبر قدر من تراث الجزائر، ولكن قسنطينة ليست هي تلمسان حسب رئيس جمعية الهلالية، ولا يمكن الحديث عن تميّز لافت مقارنة مع التظاهرات السابقة وحتى المنشآت المنجزة، فهي تحتاج إلى أيدي آمنة وكفاءة تسيّرها مستقبلا بغض النظر عن الفنادق والمواقع السياحية التي استرجعت بريقها بمناسبة التظاهرة.
❊ غبريني: “البعدان السياحي والثّقافي من أهم إفرازات التّظاهرات الثّقافية”
يرى رئيس جمعية القيصرية للموسيقى الأندلسية بشرشال عبد الجليل غبريني، بأنّ تظاهرة “قسنطينة عاصمة للثقافة العربية” وكغيرها من التظاهرات، جاءت لتنير للجيل الجديد معالم الثقافة الجزائرية الثرية، التي تشمل مختلف الفنون والطبوع، كما تعتبر فرصة سانحة للفعاليات الثقافية المحلية لتسويق الزخم الثقافي للبلدان الأخرى ولاسيما العربية منها، كما ثبت أيضا بأنّ مدينة تلمسان كانت ولا تزال تستقطب المزيد من الزوار والسياح جماعات وأفرادا عقب اعتمادها كعاصمة للثقافة الإسلامية، وهكذا ستكون الحال مع قسنطينة الضّاربة جذورها في عمق الأزمنة الغابرة، ومن المتوقّع بأن تشهد منطقة قسنطينة مستقبلا استقطابا ملفتا للسياح من داخل وخارج الوطن.أما من ناحية المنشآت فقد استفادت تلمسان مثلا من مركز كبير للدراسات في الموسيقى الأندلسية وقصر للثقافة، إضافة إلى ترميم عدّة هياكل ثقافية وسياحية، والأمر نفسه بالنسبة لقسنطينة التي شهدت تظاهرتها طبع العديد من الكتب للتعريف بتاريخ وثقافة الجزائر، كما أنّ “الإنزال الإعلامي” القوي لتغطية التظاهرة، ولاسيما المسموع والمرئي منه سيساهم مساهمة فعّالة في مسألة التّعريف بالمنطقة، وإبراز رصيدها التاريخي والثقافي الثري لتمكين الجزائريين وغيرهم من زيارتها مستقبلا.