يرى الدكتور عمار كساب أنّ الامتيازات التي يوفّرها القانون الجزائري للمستثمرين والمموّلين للقطاع الثقافي لا تحظى بالإعلام الكافي، رغم أنّها من أهم الامتيازات المقدّمة في العالم. ويؤكّد كساب، في هذا الحوار الذي خص به “الشعب”، على ضرورة رسم استراتيجية وطنية تسمح بتوجيه القطاع الثقافي بطريقة تجعله مولّدا لقيمة مضافة، كما دعا إلى إنشاء معهد وطني للصّناعات الثّقافية.
❊ الشعب: د ـ كساب، كيف ترون تأثير الثّقافة على التنمية الاقتصادية في الجزائر؟
❊❊ د ـ عمار كساب: يمكن للثقافة أن يكون لها أثر إيجابي كبير على الاقتصاد في الجزائر. ولكن للأسف ليست هذه هي الحال اليوم، لذلك يجب رسم استراتيجية وطنية تسمح بتوجيه القطاع الثقافي بطريقة تجعله مولدا لقيمة مضافة. يمكننا أن نبدأ مع إنشاء استراتيجية وطنية للصناعات الثقافية كما هو الحال في دولة مجاورة هي مالي، على سبيل المثال، أين تمثل الثقافة 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم معتبر.
كما يمكن أن ننطلق أيضا من إنشاء المعهد الوطني للصناعات الثقافية، كما هو الحال في أنغولا مثلا. هذا المعهد لديه مهمة للتفكير في كيفية تمكين القطاع الثقافي من المساهمة في الاقتصاد، وإجراء دراسات عن تأثير الثقافة على الاقتصاد ومساعدة مختلف شرائح القطاع الثقافي (المهرجانات، والنشر، والموسيقى، وغيرها) تولد ما يسمى الاقتصاد الثقافي “العوامل الخارجية الإيجابية”.
❊ هل يمكن أن نشرح أكثر مفهوم العوامل الخارجية الإيجابية؟
❊❊ غالبا ما يسلّط رجال الأعمال الثقافية الضوء على حقيقة أن نسبة المشاركة المالية للمستفيدين من المشاريع الفنية منخفضة جدا، وهذا لدعم طلبات المنح الخاصة بهم.
كما يقدّمون إنتاجاتهم الثقافية على أنّها إبداعات تولّد عوامل خارجية إيجابية، أي تلك الفوائد الاقتصادية للأنشطة التجارية التي تعمل بالقرب من المؤسسات الثقافية؛ المشاركة في توعية السكان من خلال رفع المستوى الثقافي بها؛ تطوير التنشيط على المستوى الإقليمي. تعزيز صورة المدينة..وبذلك فإنّ الدولة والسلطات المحلية تستفيد من هذه الفوائد.
وأبعد من العوامل الخارجية الإيجابية، فإنّ بعض الاقتصاديين، مثل ماكلوب Machlup
(1966) ينظرون إلى الثقافة باعتبارها مصدرا للثروة الوطنية، ممّا يجعلها استثمارا ذا بعد مندرج ضمن الاقتصادي الكلي.
❊ ما هو الدّور الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في تمويل الثقافة في الجزائر؟
❊❊ في الجزائر، لا يساهم القطاع الخاص إلا رمزيا في تمويل الثقافة، وعلى الرغم من حزمة التدابير الضريبية المشجعة إلى حد كبير تمويل الثقافة من خلال هذا القطاع. أصل هذا التناقض يكمن في ضعف الاتصال حول هذه التدابير، ولكن تمكن خصوصا في غياب ثقافة الرعاية بمختلف أشكالها. لذا يجب علينا التواصل إلى الحد الأقصى مع القطاع الخاص، وإطلاعه على التدابير المتخذة الرامية إلى أن تسهّل عليه تمويل الفن والثقافة. يمكن أن أذكر على سبيل المثال المرسوم التنفيذي رقم 11-129 الصادر في 22 مارس 2011، المتعلق بخصم نفقات رعاية وتمويل الأنشطة ذات الطابع الثقافي، من الضريبة على الدخل الإجمالي أو الضريبة على أرباح الشركات. هذا المرسوم يتيح للشركات الخاصة إعفاء يصل إلى ٥ ، ٢ ٪ من قيمة التداول. وعلى حد علمي، فإنّ نسبة ٥ ، ٢ ٪ من الاقتطاع هي أعلى نسبة في التشريع الثقافي العالمي (٣ ، ٠ ٪ بالنسبة لفرنسا، ٢٥ ، ٠ ٪ بالنسبة للبرتغال و٠٠٢ ، ٠ ٪ لألمانيا)، ولكن من يعرف هذه المعلومات؟
❊ عندما تتحدّثون عن التّوعية والاتّصال، هل تريدون القول بأنّ المستثمرين والصناعيين لا يعرفون هذه الإيجابيات في القانون الجزائري؟ وماذا يمكن أن نقول عن الاستثمار الأجنبي في هذا المجال؟
❊❊ كلاّ، الشّركات الخاصة ليست على اطلاع على الفوائد التي يمكن أن يكون لها إذا قامت بتمويل القطاع الثقافي. لنبدأ أولا بالتعريف بالتدابير المواتية في أوساط المستثمرين الوطنيين، ثم سنرى لاحقا فيما يتعلق المستثمرين الأجانب.
ومن ناحية أخرى، ينبغي تشجيع الاستثمار الخاص في القطاع الثقافي على وجه الخصوص عن طريق التخفيف من متطلبات الحصول على رخصة متعهدي الحفلات. وأعود إلى القول بأنّ كل هذا يجب أن يكون جزءً من سياسة وطنية طموحة، تعمل على إشراك على جميع الفاعلين في القطاع.
❊ وماذا عن المقاولاتية الثّقافية التي سبق وأن تحدثت عنها وزيرة الثقافة ونظّمت أبواب مفتوحة للتعريف بها؟
❊❊ للأسف فإنّ هذه المبادرات ليست جزءً من استراتيجية شاملة لتعزيز المشاريع الثقافية، وسوف يكون لها تأثير ضئيل جدا.
❊ هل يمكن أن نتحدّث عن الاقتصاد الثقافي في غياب التّكوين؟
❊❊ مسألة التّكوين أمر مهم ومنطقي يساعد على تطوير الاقتصاد الثقافي، لأنّ الأشخاص المكوّنين تكوينا جديا هم الذين يمكنهم إطلاق وتنفيذ الأنشطة التي تولد قيمة مضافة عالية.