الدكتور أحمد حمدي في حوار مع “الشعب”:

الاستثمار في الثقافة يعبّر عن وعي اجتماعي ناضج ورغبة في بناء مستقبل مزدهر

هدى بوعطيح

يرى عميد كلية علوم الإعلام والاتصال الدكتور أحمد حمدي أن الاستثمار في الثقافة يعبر عن وعي اجتماعي ناضج، واستشراف صادق، ورغبة أكيدة في ضمان وبناء مستقبل متوازن ومزدهر، مضيفا في حديث لـ«الشعب”، أن الاستثمار في الرأسمال البشري هو أهم الاستثمارات على الإطلاق، إلى جانب الولوج في تقنيات المعرفة والمعلومات، والذي صار ضرورة أكيدة لفسح الطريق نحو التنمية الاقتصادية.
ودعا الدكتور حمدي إلى ضرورة تثمين منتوجنا الثقافي ووضعه في المكان اللائق به، وإعداد سياسة ثقافية متفتحة وعصرية، فضلا عن تطوير أساليب كفيلة بجعل الثقافة جزءا من نبض الحياة اليومية، مشيرا إلى أن الجزائر منذ استعادتها السيادة الوطنية وهي تبحث عن أسلوبها أو نموذجها للتنمية بصفة عامة، لكنها للأسف ظلت تخفق في كل مرة، بسبب السياسة المتبعة وغير الشعبية، وفشلها في التنمية البشرية.

الشعب: يعتبِر العديد من المختصين أن تغيير البنية الثقافية للمجتمعات هو المدخل الصحيح إلى التنمية.. ما قولكم؟
 أحمد حمدي: ينبغي النظر إلى الموضوع من زاوية أن البنية الثقافية للمجتمعات تندرج ضمن منظور المتغيرات وليس الثوابت، فهي تخضع دائما ضمن الحراك الاجتماعي إلى عملية التأقلم والتكيف مع المستجدات، وبالتالي، فإن تغيير البنية الثقافية يحصل باستمرار، وهو من سمات الحياة، لكن السؤال المطروح هو: هل هذا التغيير في البنية الثقافية يتم نحو التقدم والازدهار، أو نحو الجمود والتأخر؟ فإذا كان الجواب نحو التقدم فإنه فعلا يكون التغيير مدخلا ضروريا وأساسيا وصحيحا إلى التنمية بجميع أشكالها، وإذا كان الجواب أن هذا التغيير يكون سالبا وينزع نحو الجمود والتأخر، فلا تنتظر إلا تنمية سالبة أعني جمودا وانحطاطا وتأخرا.
كيف يمكن الاستثمار في الثقافة قصد تحقيق التنمية الاقتصادية، وجعلها ركيزة من ركائزها؟
 لا شك أن الاستثمار في الثقافة يعبّر عن وعي اجتماعي ناضج، ورؤية صحيحة، واستشراف صادق، ورغبة أكيدة في ضمان وبناء مستقبل متوازن ومزدهر، ولا شك أن الاستثمار في الرأسمال البشري هو أهم الاستثمارات على الإطلاق، أما عن كيفية ذلك فكثيرا ما تتجّه الأنظار نحو قطاع التكوين والتعليم، وهي مقاربة صحيحة، لكن محتوى ومضمون هذا التعليم هو الذي يحدد مخرجات التنمية البشرية الناجمة عنه، ويقدم النخبة القادرة على استشراف وبناء المستقبل، وبالتالي المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة، وإلى جانب ذلك يمكن أن يتم الاستثمار في قطاعات أخرى، خاصة وأن كل المعطيات الحديثة تشير أن الاقتصادات تتجه نحو ما صار يعرف بالاقتصاد المبني على المعرفة،  فالتحكم في التكنولوجيات الحديثة لا يتم إلا باستثمار واع وأهداف مدروسة، وكذلك الولوج في تقنيات المعرفة والمعلومات صارت ضرورة أكيدة لفسح الطريق نحو التنمية الاقتصادية، كل ذلك يقع على عاتق المجتمع، دولة وأفرادا.
 التنمية الثقافية ساهمت مباشرة في النمو الاقتصادي في أغلب الدول المتطورة، هل ترون بأن الجزائر تنتهج مبدأ الاعتماد على الثقافة للنهوض باقتصادها؟
منذ استعادة السيادة الوطنية والجزائر تبحث عن أسلوبها أو نموذجها للتنمية بصفة عامة، لكنها للأسف ظلّت تخفق في كل مرة، ويعود سبب الإخفاق إلى السياسة المتبعة وغير الشعبية، كما تعود إلى الفشل في التنمية البشرية، وأستطيع القول إنه في مجريات التجارب الجزائرية بخصوص التنمية كانت الثقافة دائما آخر اهتمامات أصحاب القرار، وسارت على ذلك المنوال كل دواليب الدولة، بما فيها للأسف وسائل الإعلام المختلفة،  فالجرائد مثلا تضع دائما القسم الثقافي آخر اهتماماتها، وتتركه للصحفيين المبتدئين، هذا الوضع يفسر النظرة غير الصائبة لدور وخطورة الثقافة في مجال التنمية.
ما الذي يمنع من تخصيص مشروع ثقافي يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية؟
أكبر مانع هو النظرة غير الصحيحة للثقافة، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن التاريخ الثقافي للجزائر خير شاهد على تقدير الإنسان الجزائري للثقافة على مرّ العصور، الأمر الذي كشف عن مواهب فردية خارقة قدمت للبشرية مساهمات معتبرة، لكن السياسات لم تكن كذلك، يمكن أن نذكر أنه في السبعينيات  رفع شعار الثورة الثقافية طبعا بعد الثورة الزراعية والثورة الصناعية، وبعد فشل هذا المشروع، تمّ في بداية الثمانينات تقديم ملف السياسة الثقافية الذي فشل هو الآخر .
هل من الممكن خلق جيل من المبدعين والمثقفين يعملون على بناء اقتصاد متطور؟
 أعتقد أن النخب الجزائرية موجودة لكنها مشتّتة وفردية مثلما كانت عليه في زمن ابن خلدون وابن رشد، وللأسف يظهر منها من أتيحت له فرص الاتصال بالخارج (المشرق أو فرنسا) بمعنى أن الدولة لا تولي عناية للاستثمار الثقافي والترويج للمنتوج الثقافي، باعتباره رافدا للتنمية الاقتصادية، تماما مثلما هو حاصل في ميادين أخرى، أعتقد أن الريع النفطي في الجزائر يساهم في إبعاد الفعل الثقافي عكس ما هو حاصل في الدول النفطية.
كيف يمكن الاستفادة من الخبرات الدولية والسياسات الكبرى المنتهجة في هذا المجال؟
 نعم يمكن الاستفادة من تجارب الآخرين، لكن علينا أن نبدع تجربتنا النابعة من صميم مجتمعنا، إن الثقافة تكتسب بالمجهود المجتمعي ولا تستورد ، يجب أن نثمن منتوجنا الثقافي ونضعه في المكان اللائق به، وعلينا إعداد سياسة ثقافية متفتحة وعصرية، وتطوير أساليب كفيلة بجعل الثقافة جزءا من نبض الحياة اليومية، وذلك ليس بالأمر العسير.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024