“الشعب”...نصف قرن من الوجود

كبار الأدباء والمثقفين تخرجوا من عميدة الصحف الجزائرية

هدى بوعطيح

في 11 ديسمبر 1962، أُعلن عن ميلاد أول صحيفة باللغة العربية تحت عنوان “الشعب”، لتكون ناطقا باسم الشعب الجزائري، الذي تحرر في ذات السنة من شهر جويلية من براثين الاستعمار الفرنسي، ليجد ضالته للتعبير عن آرائه على صفحات عميدة الجرائد الوطنية، التي سعت منذ تأسيسها إلى تقديم إعلام صادق ونزيه.

تحتفل “الشعب” بمرور 50 سنة على تأسيسها، نصف قرن وأمّ الجرائد تخطو خطواتها بثبات، وسط الزخم الذي تشهده الساحة الاعلامية في الجزائر، لتؤكد استمراريتها اليوم بعد أن وضع لبنتها الأولى شخصيات سياسية وأدبية، سيبقى يحفظ التاريخ أسماءهم لمساهمتهم في إنشاء رمز من رموز السيادة الوطنية، لا سيما وأنّهم انطلقوا في تأسيسها بإمكانيات جد متواضعة.
وبالرغم من الصعاب إلاّ إنّ القلة القليلة ممّن شاركوا في ميلادها واصلوا رفع التحدي لتأسيس جريدة هدفها الأسمى خدمة الوطن والمواطن، خصوصا وأنّها جاءت في وقت كانت تعيش فيه الجزائر فرحة استرجاع السيادة الوطنية، وكان الجزائريون بحاجة لمن ينقل أصواتهم وانشغالاتهم بعد الدمار الذي أحدثه الاستعمار الفرنسي.
«الشعب” ومنذ تأسيسها كانت بمثابة المدرسة التي تفتح أبوابها لتستقبل طلابها، فاستقبلت عميدة الصحف كل من يرغب في أن يكون إعلاميا ناجحا لينهل منها ومن روادها فنيات التحرير وأساليب الكتابة، ومع مرور السنوات أصبحت همزة وصل بين الطالب والصحفي، وتخرّج من أمّ الجرائد كبار الإعلاميين يتواجدون اليوم في كبرى القنوات وأشهر الصحف الوطنية والعربية.

 “الشعب”...تحتضن كبار الأدباء والمثقفين
 لم تكن جريدة “الشعب” منبرا فقط للإعلاميين والطلبة، بل احتضنت أيضا كبار الأدباء والمثقفين الذين وجدوا عبر صفحاتها ضالتهم، لتستقبل أعمالهم وإبداعاتهم الأدبية، واهتمّت بأدب الشباب وعملت على نشره بين القراء.
ففي مطلع السبعينيات تعامل الروائي الراحل الكبير الطاهر وطار مع جريدة “الشعب”، وأسندت له صفحات تهتم بالقصة القصيرة تحمل عنوان “دروب القصة”، لتتطور هذه الصفحات إلى “الشعب الثقافي”، وهو عبارة عن ملحق مستقل تصل صفحاته إلى الأربع والعشرين، كان بمثابة المدرسة لاكتشاف المواهب الأدبية وتنمية قدراتها، ومن بين الأعمال التي استقبلها الطاهر وطار ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ كتابات الكاتب الكبير والقاص والباحث في التاريخ، محمد مفلاح الذي نشر مقالاته الأولى بالملحق الثقافي.
وأسندت للشاعران الكبيران أبو القاسم خمار ومحمد الصالح باوية، صفحة تحت عنوان “في رحاب الشعر”، للاهتمام بعالم القافية وشعراء الغد، حيث استقبلوا بدورهم أعمال الشاعر الكبير سليمان جوادي، ونشرت له “الشعب” في 1970 أول قصيدة كاملة له.
وتعدّ الأديبة القديرة زهور ونيسي أول قلم نسوي يكتب على صفحات جريدة “الشعب”، ومن المساهمات في تعريبها، حيث اعتبرت التحاقها بالجريدة قضية عمل وواجب والتزام، بدأت كمساهمة وكانت تكتب المواضيع الاجتماعية والمقالات ذات التعبئة، وعندما أنشئ الملحق الثقافي، أصبحت تكتب بصفة دائمة على صفحاته، مشيرة إلى أنّ “الشعب” كانت تتميز بالحيوية والنشاط على المستوى الفكري والأدبي.
وتوجّهت زينب الميلي عبر “الشعب” إلى المرأة، حيث كنت تهدف من وراء ذلك إلى توعيتها، فقد كانت تكتب عمودا خاصا بها، وقسمت صفحتها إلى أركان من بينها “هل تعلمين” و«فكاهات للمرأة”، وكان يشارك زينب الميلي في “صفحة المرأة” عدد من الأقلام النسوية من بينها سعاد عبد اللّه، والشاعرة العراقية نازك الملائكة.
وعمل الكاتب محمد عباس في جريدة “الشعب” في جانفي 1977، في عهد محمد السعيد، أين عُيّن في منصب نائب رئيس التحرير، مكلّف بالشؤون الوطنية، وأسس الشاعر عز الدين ميهوبي صفحة “حدائق الإبداع” في مطلع التسعينيات لتكون بدورها منبرا للأقلام الشابة المبدعة من الشعراء والقاصين والروائيين، بعد أن التحق بجريدة الشعب في 1986 مديرا للمكتب الجهوي بسطيف إلى غاية 1990، تم مدير تحرير إلى غاية 1992، كما احتضنت “الشعب” أسماء أخرى لا يسع الحديث لذكرها كلها، إلى جانب ذلك كتب فيها أدباء من خارج الوطن من بينهم الكاتب السوري أحمد دوغان عضو البعثة التعليمية السورية في الجزائر 1977 ــ 1984، حيث نشر قصص شعرية للفتيان بعنوان “أنا الشهيد وهذه حكايتي” في 1982.
 شخصيات سياسية...
تخرجت  من أمّ الجرائد
 شخصيات سياسية كبيرة، قبل أن تتبوأ لها مقعدا في السلطة، عرجت أولا على أم الجرائد، فإمّا مديرا عاما لها أو رئيس تحريرها، أو صحفيا...فمن محمد الميلي إلى علي مفتاحي، إلى عبد اللّه غلام اللّه وزير الشؤون الدينية والأوقاف حاليا، وعبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة، إضافة إلى محند أوالسعيد بلعيد وزير الاتصال، وينشر محمد العربي ولد خليفة رئيس المجلس الشعبي الوطني دراسات متنوعة إلى يومنا هذا على صفحات “الشعب”، إضافة إلى أسماء أخرى لها مكانتها اليوم في الساحة السياسية، كما أن منها من رحلت عن هذا العالم مسجلة اسمها في السجل الذهبي.
 الشعب صوت لمن لا منبر له
حملت جريدة “الشعب” شعار “التزام، موضوعية ومصداقية”، وكانت على مدار نصف قرن صوتا لمن لا منبر له، وبالرغم من التحديات التي واجهتها على مر السنوات إلا أنها تمكنت من الصمود، ومواصلة فرض وجودها، في ظل الزخم الإعلامي والانفتاح على التعددية الإعلامية وظهور الصحافة الخاصة.
«الشعب” تواصل اليوم مسيرتها وكفاحها مع جيل جديد، اختار عميدة الصحف الجزائرية ليكوّن اسما إعلاميا له، ليلتحق بركب من سبقوه ويواصل حمل المشعل إلى أن تطفئ شمعتها المائة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024