قتربت “الشعب” من بعض أصدقاء الشهيد من أدباء وكتاب وشعراء، وكانت آراءهم تصبّ جلها في شخصية الشهيد الاستثنائية.
الشاعرة نبيلة حياهم
“أردنا أن يكون ملتقى باسم الشّهيد شاكري في طبعة سنوية”
إنّ بعث ملتقى وطني باسم الشاعر عبد الله شاكري ظل طموح أصدقائه الشعراء ليخلدوا ذكرى هذا المتميز بنصّه إلى معالم الروح الإنسانية العميقة، وصادف إن وجدت اللجنة الدعم الكافي والوافي من طرف السلطات المحلية لدائرة وبلدية بوشوقوف الواعية بدور الفعل الثقافي، وبتشجيع من مدير الثقافة لولاية قالمة، لذا يعدّ هذا النشاط مكسبا للمثقفين، التقت الإرادات الطيبة لتحقيق هذا الحلم القديم لأنّ ما قدّمه عبد الله شاكري للوطن كاسم احتفلت به جهات الوطن تشرّف الشعر والإنسان والوطن والمنطقة التي أنجبته، فكان الملتقى التأسيسي وعليه اجتمعت لجنة صياغة البيان الختامي يوم 06 جويلية 2004 بدار الشّباب عصفور محمد الشريف ببوشقوف وانتهت إلى توصيات من بينها إعطاء المهرجان بعدا مغاربياوذلك باستضافة أصدقاء الشاعر من شعراء المغرب العربي، جمع وطبع أعمال الشاعر في كتاب يناسب مكانته الأدبية، تسمية مكتبة البلدية باسم الراحل عبد الله شاكري، ترسيم الملتقى ببلدية بوشقوف باسم مهرجان الشاعر الشهيد عبد الله شاكري سنويا، وتحديدا فصل الربيع إلاّ أنّه لم يتم تدعيم هذا الملتقى من قبل السّلطات الولائية وتمّ تهميشه، حيث لم يتم الرد على رسائلنا بجعله ملتقى سنويا.
القاص محمد رابحي:
“كان حلقة وصل بين الأصدقاء”
كما صرّح صديقه القاص محمد رابحي الذي كان رفيقه في نادي الابداع الأدبي بعناية قائلا: “كان مسامحا لأقصى درجة، يصلح بين الأصدقاء، عفوي جدا، كما كان حلقة وصل بين الأصدقاء، مرح وبشوش”.
الشاعر رضا ديداني صديق الشّهيد
عبدا لله..وترك شاطئ سانكلو وحيدا
أكان شاطئ سانكلو غبيا أم منتعشا حد النّسيان؟ هل ترى شكل الانسان من مدارات الموت المحدد سلفا؟ هل تبدأ الذكرى بموت المتذكّر؟ غربة تقتفي آثارنا لتعلق الجثث مذّهبين كالأساطير القديمة على أعمدة الحضور.
مرّ من هنا مثلنا، ولم يتحمل عبء حفه السنوات التي اختصرت البداية، قد يصعب علينا اختصار البداية في زمن الانتهاء، ولكننا عبثا نذّكر مجاملة، الأمل في أن تعيش ذكرياتنا. لم يقلها عبد الله كي يغادر عش الحياة قالها لتردّدها ضفاف (سيبوس) ويلهيها شاطئ (سانكلو) تلعثم تمام موجاته يوما، وأعلن الرحيل لتبدأ بموت المتذكّر؟
في الرحلة الأخيرة انتظر عشرون سنة لأتذكر ملامحه، وينتظر المتذكّر البائس أمام بهاء أسماء تتكاثر من حوله وتغلفه بأبهة شاعر تألّم وتأثث بأجمل النصوص ليقف أمام شغف المرآة التي تهاوى نصفها لتتنكر قليلا إلى حقيقتها وتميل إلى كهفها المطل على غنج الحياة.
لم يكن صدفة نص (آخر التصريحات) الذي كتبه في شهر أكتوبر 1992م :
أقتلوني رجاء
إنّني مذنب،
رغم كل الحروف التي امنح البكاء في بكائي
رغم كل النّزيف الذي أظهر في غي غنائي
إنّني شاعر ضيّعته القصائد
هذا النص نبوءة شاعر في شعرية اكتوبر الذي انتهى قبله الشاعر الراحل عبد الله بوخالفة وارتمى في موته بكل بأس وغادرنا ليخلف عبد الله شاكري ويغني أغنيته الأخيرة، ويزف لنا موته ثانية تحت عرش نفس الشهر، كم التقينا، لم ننتبه إلى سؤال الروح، سؤال الكينونة التي رمقها بختي بن عودة ولم يتأملها كميت مرّ عليها ليعلق كفن الموت وييأس من فلسفة الحياة المؤثثة بأجساد تتراقص على أنغام اليوم الضال، وتتعب من شعرية غارقة في الذات البليدة، إن ضدك وأنت تتلو الحكايات المستريحة عن نادي الابداع، وعن من تغنّى به ومن كان الضحية الأولى لمنصة قصر الثقافة بأبهة (نتشه) وسلطة الفارق في الادلجة
انا لم أسترح أبدا إلى زفة موته، أنا كنت هكذا شاهدا من بعيد أرمق عبروه إلى الضفة الأخرى، إلى الحياة، حياة (شرطية) بمعنى الكلمة شرط الحياة أن تموت، وتترك مزالق كثيرة لتعبث الكلمة بوزنها وتعود العصافير إلى أوكارها.
رحل عبد الله شاكري لمّا تعبت من الانا كذلك من فهم الحياة، لم أنتبه له كثيرا لما التقيته في أبهة قصر الثقافة، لم ينتبه لي كثيرا لما غادر بهوها معلقا لغمه في صدر الحياة هل نسيت،قال لي أنا أحاول كتابة الشعر، أحب الجاز والرقص وغناء جاك برال..وانتهى بلا أغنية.
انتبهوا الشاعر لغم لا تقتربوا من ضفافه سيبوس كان قريبا جدا من هذا الكائن؟
الشّاعر بوقرة توفيق
شاعر الألم..توهّج ولم ينطفئ
جمعتني به صداقة روحية غريبة الأطوار
ليلة 18 نوفمبر 1994م كنت قلقا على غير العادة، أفكر في نادي الابداع الادبي والفني الذي أسسناه بمعية أصدقاء الحرف والكلمة، وقد اختلفت معهم في التسيير وفي دكتاتورية صديقي عبد الناصر، كما كنت أفكر في عيد ميلادي وما يعنيه ويحمله لي هذا اليوم،
وأنتظر التهاني من المرحوم عبد الله ومن الآخرين.
الوضع الأمني نار على نار، تملّكني الخوف وقررت صبيحة يوم السبت أن أزور الأحبة ولصفاء القلوب هناك بما أنني كنت مقيم في مدينة الذرعان ولاية الطارف والمسافة ليست بالبعيدة. قبل دخولي مقر النادي وصلني خبر اغتيال الشاعر عبد الله شاكري، هذا الذي جمعتني به صداقة روحية غريبة الأطوار، هذا الذي حاول أن يعيد اللحمة التي تربطني بعبد الناصر فلم يستطع للأسف.
لم أصدق الخبر بادئ الأمر، واعتبرت ذلك من الشائعات التي تنتشر كالسرطان وقتها، لكن عند الوداع الأخير وأنأ أتلمس النعش تأكدت من الحقيقة الموجعة، حقيقة موجعة حد الألم، بكيت ودخلت في حالة من الهيستيريا مازالت لحد الآن تغشاني.
عبد الله صديقي الذي كان يقول لي:
إنّ الرّصاصة الملعونة التي همّشت وجهه وأنهت حياته قد انهت حياتنا نحن كذلك. كتبها عبد الله قصيدة قبل اغتياله وعنونها:
همس الصّهد
في زمني الصحري
ضقت لصاحبي وسذاجتي
فقد صار يحكي
عن الخبر والأغنيات
صاحبي صار يهذي ويهذي
ثم يضحك عاليا..
ثم يبكي
ظل البكاء أصابع ملح تعذّبني كلّما جاء موعد عيد ميلادي، ورحت أعنف نفسي وأهذي،
هم اغتالوني معه، صارت الفجائع بعدها تصنع لي هذا الذي أسميه “مهرجان الصّدمة”
ألم يقل عنّي
موغل في القيظ
يحترف التسول في ردهات المعنى
وبعزف من لجة القصف
نسوج التوجس
هو ما نسي
كان لابد أن يزدري أرقه
ويركب أحصنة البحر في جسد امرأة
قال ذات دمعة..
لا تحاولوا ..لن تعرفوا ميولي ..
المرحوم عبد الله كان يترجم بصدق منقطع النظير “مواسم الزيف” وبحدة كذلك، تجربة شعرية مقتدرة، قلقة، عنيفة، عنف التسعينات، هو فلتة من فلتات الزمن، ذلك الشرطي الذي يكتب الشعر ويحلم، ذلك الوهج المتأنق، ذلك القاموس الشعري المخيف والعنيف تترجمه هذه الكلمات التي كثيرا ما وظفها: جحيم، نزيف، اختناق، آهات، حزن، صدمة، انشطار، نزيف، حصار، عقيم، انفلات، صهد...
تجربة شعرية مقتدرة، قلقة، عنيفة عنف التّسعينات
المرحوم أحبّ بصدق وكان ينوي الدّخول في مشروع زواج لم يتم للأسف المرحوم أحب بصدق وكان ينوي الدخول في مشروع زواج لم يتم للأسف، وانتهى بصدمة قاتلة للمشاعر، هي كانت تمتهن الطب، لم نصدق خبر اغتياله، ففتحت باب ثلاجة الموتى لترى وجهه وقد هشمته (المحشوشة) وأزالت البراءة منه، وبقيت تلك الصورة المرعبة تطاردها، لم تنفع الكلمات والأشعار الحالمة، فالصورة أصدق من هذا وذاك. الصورة دموية، مأسوية فجائعية، من سرقوا أحلامه وأحلام من أحبوه، ورغم ذلك كان يقول:
(..وفي زخم انهياراتي أحلم..نعم أحلم دوما بزوابع اهرى من بياض الورق وأجنحة أخرى لا تنطفئ)
نعم صديقي رحلت ولم تنطفئ كما أرادوا لك ولهذا الوطن أن ينطفئ...
الشّاعرة سامية بن عسو
إنّنا وجدناك نائما تختلي بسحر الموت
أنا أذكر...بل أذكر جيدا رغم أني لم ألقاك هناك بعيدا عني، كم صار الآن قريبا منك. رضا رجل صامت هادئ كالطيف يعرج في يومي كي يتضاءل ويخلد للنوم، شيع في غفوته وأناه...يا عبد الله يقتلني الكمد؟
ورضا كائن لا أتحمل صمته الذي يغيب سكونه الموغل في جهة الصمت يسترسل في حديثه حتى معي، أنا زوجته، أنساني، أنساه حتى اسمي تنكره الشفاه...اه يا عبد الله، يتمه منهم ومن الأصدقاء الذين رحلوا وتركوا طيفه يتلاشى حزينا
بختي، بوخالفة، أنت...والعشر العجاف بددوا صوته الذي لا يتفتق في برد الغرفة ألا إذا بعثت من جديد أنت بالتحديد، يسكت البنفسج ويزهر الصبار “أشت” هدوء إنه أخيرا هنا حي يرزق رجل رائع دافئ، يؤثث صمت البيت الذي استكان كثيرا...ها هو يتمدّد ويشيع لتزهر الغرفة بصوته العبق، يخبرني أولا عن حديث عينيك. وعن أول مرة ظهرت في وقته الجميل وعن أول سؤال طرحته له، أم لهم، هل هو كذلك؟
يقال أيضا إنك عشت عظيما مكافحا وحليما، ويتحدث حتى تتورد الحياة بيننا في حضرة الأموات، لا لم تمت أبدا..(بونه) وحدها من فقدت الحياة فقدت شواطئها أقدامنا التي قد التقت..فقدت آبهة الشرفات، اصطبحت جثة هامدة، باردة لا ينخرها النسل الرائع ولا تتذكرها شفاه النوارس عند الصباح، آه..آه يا عبد الله خريفية وحزينة المدينة، وإنا وبعض الأصدقاء، لم تمتصنا تلك الاسفنجة الذهبية الزرقاء لم يعد هناك فتات نقتفيه ورغيف نتقاسمه، تعطلت ساعة المحطة بعدك وأسدل الميناء ستائره ليحجب هيبة المشهد،وحده المتشهد يثير القلق، تبدد كل الحب، كل دفء، كل النزق. ماذا أخبرك عن المدينة؟ عن الكور؟ عن الجريح الكور المدهوش المرتبك عن السوق المغلقة والأبواب المقفلة عن القصر الذي كثروا ضحاياه؟ اغتيل الملك وماتت الأميرة، حيرة، قلق وكمد الايام..آه يا عبد الله اقتفاك أبي الشائع في خطوه، بأزقتها ذهب الرجل كمال الذي طالما
اتقد انطفأ عمر..لا ندري مرة أخرى ومن يجر هذا القدر بعد سؤالك.
صباح مرّ يا عبد الله، صباح ووجنتك تسد العارض وتسندنا لتوقظ فينا أصوات لتحمل رسائل ووصية أبي الذي يبحث عنك ليعلمك اننا وجدناك نائما، تختلي بسحر الموت ويملأ الكف دمل الوقت، الوقت بكاء وأنت تملأ المدينة بهاء كما الشجر فقط كي لأنتحر،رحلت وفي جوفنا أغني لم تترصع بنياشين الشّعر. وداعا.
الأديبة لميس تدعو السّلطات
إلى تخليد ذكرى الفقيد
كان صوتا شعريا ومشروع كاتب عربي مهم
أما الأديبة والإعلامية سلوى مسعى لميس التي كانت صديقة مقربة إلى الفقيد جمعتها بعبد الله شاكري علاقة طويلة في نادي الإبداع الأدبي بعنابة تقول: “الشاعر عبد الله كان شخصية جميلة، كانت تجمعنا صداقة أخوة،
عشرون سنة مرت على مقتله على يد الإرهاب بالعشرية السوداء وكان ذلك يوم ١٨ نوفمبر،تعود أصوله إلى مدينة قالمة لكنه ترعرع بعنابة ودرس بالبوني ثم انتقل إلى العاصمة أين انضم لمدرسة الشرطة بالصومعة لينخرط بعدها في نادي الإبداع الأدبي حيث كانت بونة مركزا للشعر، ومدينة ناشطة ثقافيا على المستوى الوطني وتحدّت بنشاطاتها ظروف العشرية السوداء.
لما انضممت لنادي الإبداع الأدبي سنة 1992 أعجبت بكتابات شاكري وشخصيته، جمعتنا علاقة أخوية وكنّا تقريبا يوميا نلتقي في تظاهرات ثقافية، شاركنا في تظاهرات بقسنطينة، العاصمة، سكيكدة وغيرها من ولايات الوطن، وآخر قصيدة له كتبها كأنه كان يودعنا ويودع الحياة، حقيقة خسارة كبيرة للجزائر، كان صوتا شعريا مميزا وكان مشروع كاتب عربي مهم، ونحن في مدينة عنابة نلتقي كل 18 نوفمبر نتحدّث عنه هو الحاضر الغائب. وكصحفية أحاول كلّما سمح لي المجال تقديم ملف يحكي حكايته بالقسم الثقافي، كما أدعو السّلطات من خلالكم للاهتمام بالمثقفين أكثر، هناك من سقطوا ضحية الإرهاب ونسيانهم إلى الأبد وتم تهميش أعمالهم، خسارة للساحة الثقافية أن تفقد أحد أبرز أسماء شعرائها.
زهرة بوسكين:
عبد الله خلّد الألم في قصائده
عاش يحمل الوطن في قلبه وفي كلماته
أما الأديبة والإعلامية زهرة بوسكين تتحدث بحرقة عن الصديق شاكري وهي تستحضر الأيام التي عرفته فيها عن قرب تقول : “إنه يصعب الحديث عن أصدقاء غيّبهم الموت، غيّبتهم الرصاصات الطائشة، لكنهم أحياء بيننا وتضيف. يصعب عليّ كثيرا أن أتحدث عن الشاعر عبد الله شاكري، ذلك الصديق والأخ الذي لم تلده أمي ولكن أهدتني إياه القصيدة والكلمة الشعرية، كأنه بالأمس فقط كان هنا بيننا، يعتلي عرش القصيدة ويتنبأ بموته، مرارا حدثني في رسائله عن الموت وكيف يقتلون الوطن وكيف يغتالون المثقف، وكان يضحك كثيرا حين أسميه “الشاعر الذي يحمل كابوس أي “مسدس “، يضحك ويقول: “من يفهم سرّ الكابوس غير زهرة”.
جمعتنا الكثير من الأشياء الجميلة في الزمن الجميل، نفرح بميلاد قصيدة جديدة نقرأها بشغف طفولي، نفرح بنص ينشره لنا الإعلامي المرحوم عمر بوشموخة في النهار أو نوار عبيدي في العناب أو إدريس بوذيبة في النصر أو توفيق عوني في القلاع أو نطل من الشعب أو المجاهد أو عناوين لم يعد لها وجود.....كم كان يسعده لقاء الأصدقاء، كثيرا ما كنت أنا والعديد من الرفاق نناديه من العمل بمدرسة الشرطة ويطل علينا بابتسامته محتفيا بنص جديد يقرِأه لنا على عجالة أو جلسة خاطفة (نمنشرو فيها).
عبد الله هو شاعر المعنى الذي خلّد الألم في قصائده، هو القادر على الغوص في أعماق المعاناة، كان يكتب لي عبارة أسميها النصيحة الخالدة، يقول لي “كوني كالشراع لحظة العاصفة”، هذه العبارة التي أدركت في كل الأزمنة أبعادها وقيمتها .... ذات خريف أردته رصاصة قاتلة في غفلة من الأماني التي يحملها والأحلام التي يؤثث لها .... في غفلة من الأصدقاء، أذكر آخر اتصال هاتفي معه أخبرني أن والده مريض جدا ويبحث له عن دواء، وكان حزين لأنه أنهى علاقته مع حبيبته وأن أخته وردة متعبة بأمور البيت وأن... وأن... وقال لي أن الدنيا تضيق به كثيرا هذه الفترة ولا يهمه شيء سوى والده ....... وبعدها بيومين كانت الفاجعة التي ألمّت بالساحة الثقافية، لقد اغتيل عبد الله برصاصة إرهابية استقرت في رأسه، وهو الذي عاش يحمل الوطن في قلبه وفي كلماته، كان ينظر للوطن بقدسية ليست وليدة مهنته فقط بل وليدة رفض لموت بالمجان ... وتمرّ عشرون عاما كأنه الأمس الذي جمعنا، كلماته لا تزال نابضة بالحياة وخطّه الجميل يزيّن الورق فيحيله رغم المسافة الفاصلة بين عالمين إلى بيادر وحدائق بابلية معلقة في قلوبنا جميعا وفي ذاكرة الروح يتردّد صدى أغنياته (عنابي)، في محطات السفر تذكره مقاعد الباهية وبونة والعاصمة وتيفاست التي أسكنها وجع القصيدة، جلسات الأصدقاء ونكتهم، منصات تردد صدى كلماته وملتقيات تحفظ وده حتى حين يتمارض ليأخذ عطلة لأجل حضور الملتقى ولقاء الأصدقاء والاستماع لآخر ما كتبوا.
أصدقاؤك ياعبد الله رغم صمت الساحة الثقافية ورداءتها ورغم بعد الكثيرين منهم لكنهم أوفياء لك ولحياتك الآن بينهم، عبد الناصر، رضا، توفيق، مراد بن الصغير، شكري، لاميس، خيرة، منار وكل العالم الذي لامست بصمة طيبتك وإنسانيتك شغافه في “مواسم الزيف” وفي كل المواسم العابرة بنا في انتظار مواعيد تجمعنا في قصيد جديد خارج أزمنة الموت علها لقاءات في المسافات الفاصلة بين عالمين.
فعبد الله شاكري ليس مجرد شاعر مرّ من منصة ما أو كان في جلسة ما ورحل، بل هو بعد إبداعي وإنساني وثقافي ورمز للمثقف والوطني الذي استهدفه الإرهاب ليغتال الكلمة فينا جميعا، وفي أوجّ ذكراه هذه فعبد الله شاكري ليس مجرد شاعر مرّ من منصة ما .
لانتظر أن نقرأ لبعضنا أو نكتب عن بعضنا حين يأخذ الموت أحدنا فلنؤسس لأزمة أجمل وأرقى بما نحمله لبعضنا وبقواسم مشتركة لا يمكنها أن تزول .